ثم إنه يأمر من حضر بربط رجليه ويضربه عليها حتى يبكي.
[سعد الوراق وعيسى النصراني الفتى](١) :
وحدث الخالدي (٢) عن أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري (٣) قال : كان بالرها (٤) وراق يقال له سعد. وكان في دكانه مجلس كل ذي أدب ، وكان حسن الأدب والفهم ، يعمل شعرا رقيقا ، فما كنا نفارق دكانه ، أنا وأبو بكر المعوج الشامي وغيرنا من الشعراء وشعراء الشام وديار مصر. وكان تاجر بالرها نصراني من كبار تجارها ، له ابن اسمه عيسى ، من أحسن الناس وجها ، وأحلاهم قدا ، وأظرفهم منطقا. وكان يجلس إلينا ، ويكتب عنا من أشعارنا ، وجميعنا نحبه ، ونميل إليه. وهو حينئذ صبي في الكتّاب. فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا. وكان يعمل فيه الأشعار ؛ فمن ذلك وقد جلس في دكانه :
اجعل فؤادي دواة والمداد دمي |
|
وهاك فابري عظامي موضع القلم |
وصير اللوح وجهي وامحه بيد |
|
فإن ذلك برءا لي (٥) من السقم |
ترى المعلم لا يدري بمن كلفي |
|
وأنت أشهر في الصبيان من علم |
__________________
(١) إضافة المحقق.
(٢) عله يقصد أحد الخالديين : سعيد بن هاشم. ومحمد بن هاشم ـ عاصرا الصنوبري ـ وهما من أهل الخالدية ، من قرى الموصل. ونسبتهما إلى جدهما خالد. توفي سعيد عام ٣٧١ ه ومحمد عام ٣٨٠ ه. (معجم الأعلام : ٣٠٦ ـ ٨٠٥).
(٣) الصنوبري : أبو بكر أحمد بن محمد الحسين الضبي الحلبي. الأنطاكي شاعر الطبيعة. شعره في الذروة العليا. اقتصر فيه على الأزهار والأشجار توفي عام ٣٣٤ ه. (شذرات الذهب : ٢ / ٣٣٥) ؛ (معجم الأعلام : ٦٤).
(٤) الرّها : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذي استحدثها. وقيل غير ذلك. واسمها بالرومية : أذاسا. قيل بناها الملك سلوقس. والنسبة إليها رهاويّ. نبغ العديد منها. وفي مختلف العصور (معجم البلدان : الرها)
(٥) في الأصل : الي.