قلت : قد سمع من عبد المنعم الفراوي تلك الأربعين السباعية. وروى (٥٣ ظ) ف عنه الصدر البكري وغيره. ورأيت له المزارات والمشاهد التي عاينها في البلاد.
ومن المواعظ التي على تربته ؛ من كلامه (١) :
قل لمن يغتر بالدنيا وقد طال عناه |
|
هذه تربة من شيد هذا وبناه |
طالما أتعبه وقد هدّ قواه |
|
طلب الراحة في الدنيا فما نال مناه |
سلكت القفار. وطفت الديار. وركبت البحار ، ورأيت الآثار ، وسافرت البلاد ، وعاشرت العباد. فلم أجد صديقا صادقا. ولا رفيقا موافقا فمن قرأ هذا الخط فلا يغتر بأحد قط (٢) ابن آدم دع الاحتيال فما يدوم حال. ولا يغالب التقدير ، فلن يفيد التدبير ، ولا تحرص على جمع مال. ينتقل إلى من لا ينفعك شكره ويبقى عليك وزره ، سبحان مشتت العباد في البلاد ، وقاسم الأرزاق في الآفاق. هذه تربة الغريب الوحيد علي بن أبي بكر الهروي عاش غريبا ومات وحيدا ، لا صديق يدينه ، ولا خليل ينعيه ، ولا أهل يرونه ، ولا إخوان يقصدونه ، ولا ولد يطلبه ، ولا زوجة تنادمه ، أنس الله وحدته ، ورحم غربته.
وهو القائل :
طفت البلاد مشارقا ومغاربا |
|
ولكم صحبت بسائح وحبيس |
ورأيت كل غريبة وعجيبة |
|
ورأيت هولا في رخاء وبؤس |
الطعم يذل الأنفس العزيزة ، ويستخدم العقول الشريفة. وعلى قبره (٣) :
«يا عزيز ارحم الذليل ، يا قادر ارحم العاجز ، يا باقي ارحم الفاني ، يا حي ارحم
__________________
(١) انظر كتاب : «الإشارات إلى معرفة الزيارات» لصاحب هذه التربة
(٢) ف : العبارة مكررة.
(٣) لم يبق من التربة سوى القبر. وآثار جدرانها وأحجار بابها.