وإن أسعده الرضا نسي
التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له ، الامر استلبته الغرة ، وإن
أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته الفاقة شغله
البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة ، فكل
تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد .
وقال عليهالسلام
: نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي ، وإليها يرجع الغالي .
ومن كلام له عليهالسلام : تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم
بالرحيل ، واقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإن
أمامكم عقبة كؤدا ، ومنازل هائلة مخوفة ، لا بد من الممر عليها ، والوقوف عندها ،
فإما برحمة من الله نجوتم من فظاظتها
وشدة مختبرها ، وكراهة منظرها ، وإما بهلكة ليس بعدها نجاة ، فيالها حسرة على كل
ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة.
وكان عليهالسلام
يقول : الوفاء توأم الصدق ، ولا نعلم نجاة ولا جنة أوقى منه ، وما يغدر من يعلم
كيف المرجع في الذهاب عنه ، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الشر كيسا ،
ونسبهم أهل الجهل إلى حس الحيلة ، ما لهم ـ قاتلهم الله ـ قد يرى الحول القلب وجه
الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه ، فيدعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة
في الدين .
وقال عليهالسلام
: الناس في الدنيا عاملان ، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى
على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره ، وآخر عمل في
الدنيا لما بعدها ، فجاءه ، الذى له من الدنيا بغير عمل ، فأصبح ملكا عند الله لا
يسأل شيئا يمنعه .
ـــــــــــــــ