طيبة (٣٥) مدينة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرّف وكرم
وفي عشىّ ذلك اليوم دخلنا الحرم الشريف وانتهينا إلى المسجد الكريم فوقفنا بباب السلام(٣٦) مسلّمين وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم ، واستلمنا القطعة الباقية من الجذع (٣٧) الذي حنّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة ، وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين ، وشفيع العصاة والمذنبين ، الرّسول النبي الهاشمي الأبطحي محمد صلىاللهعليهوسلم تسليما وشرف وكرم ، وحقّ السلام على ضجيعيه وصاحبيه : أبي بكر الصديق (٣٨) وأبي حفص عمر الفاروق رضياللهعنهما ، وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى ، مستبشرين بنيل هذه المنة الكبرى ، حامدين لله تعالى على البلوغ إلى معاهد رسوله الشريفة ، ومشاهده العظيمة المنيفة داعين أن لا يجعل ذلك آخر عهدنا بها وأن يجعلنا ممن قبلت زيارته ، وكتبت في سبيل الله سفرته.
ذكر مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وروضته الشريفة
المسجد المعظم مستطيل تحفّه من جهاته الاربع ، بلاطات دائرة به ووسطه صحن مفروش بالحصى والرمل ، ويدور بالمسجد الشريف شارع مبلّط بالحجر المنحوتة ، والرّوضة المقدسة (٣٩) صلوات الله وسلامه على ساكنها ، في الجهة القبلية مما يلي الشرق من المسجد الكريم ، وشكلها عجيب لا يتأتى تمثيله ، وهي مؤزّرة بالرخام البديع النحت ، الرائق النعت ، قد علاها تضميخ المسك والطيب مع طول الأزمان ، وفي الصفحة القبلية منها مسمار فضة هو قبالة الوجه الكريم ، وهناك يقف الناس للسلام مستقبلين الوجه الكريم ، مستدبرين القبلة
__________________
(٣٥) طيبة : اسم أطلق بعد ظهور الإسلام على مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أما يثرب فاسم قديم.
(٣٦) يبتدئ الحجاج زيارتهم للمسجد من باب السلام وهو مدخل يقع قريبا من الزاوية الجنوبية للجدار الغربي قبالة القبر النبوي.
(٣٧) لم يبق أثر اليوم لهذا الجذع.
(٣٨) أبو بكر : صهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخليفته ، معروف بلقب الصّدّيق ، وقد كان عمر كذلك صهرا وخليفة لأبي بكر وكان يلقب بالفاروق ، وكلاهما دفن إلى جانب قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد وقفنا على ذلك داخل الروضة الشريفة التي تحتضن جدث الرسول عليه الصلوات ضمن الوفد الرسمي الذي أدّى مناسك الحج عام ١٣٧٨ ه (١٩٥٩ م).
(٣٩) هذه معلومات مقتبسة باختصار من ابن جبير إنما يلاحظ أن المسجد الأول الذي كتب عنه ابن جبير تهدم في أعقاب حريق مدمر عام ٦٥٤ ه ـ ١٢٥٦ ، هذا ونلاحظ أن معظم مخطوطات ابن بطوطة ومنها مخطوطة الخزانة الملكية بالمغرب كتب (مؤزّرة) عوض مدورة ...