ومن عادة حجاج الشام إذا وصلوا منزل تبوك أخذوا أسلحتهم وجرّدوا سيوفهم وحملوا على المنزل وضربوا النخيل بسيوفهم ، ويقولون : هكذا دخلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وينزل الركب العظيم على هذه العين فيروى منها جميعهم ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال واستعداد الماء للبرية المخوفة التي بين العلا وتبوك.
ومن عادة السقّائين أنهم ينزلون على جوانب هذه العين ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس كالصهاريج الضخام يسقون منها الجمال ويملأون الرّوايا والقرب (٢٥) ، ولكل أمير أو كبير حوض يسقي منه جماله وجمال أصحابه ويملأ رواياهم ، وسواهم من النّاس يتّفق مع السقّائين على سقي جمله وملء قربته بشيء معلوم من الدراهم ، ثم يرحل الركب من تبوك ويجدّون السير ليلا ونهارا خوفا من هذه البرّيّة ، وفي سطها الوادي الأخيضر (٢٦) كأنه وادي جهنم أعادنا الله منها ، وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السّموم التي تهبّ فانتشفت المياه ، وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار ، ومات مشتريها وبائعها ، وكتب ذلك في بعض صخر الوادي!
ومن هنالك ينزلون بركة المعظّم (٢٧) وهي ضخمة نسبتها إلى الملك المعظم من أولاد أيوب ويجتمع بهاء ماء المطر في بعض السنين ، وربما جفّ في بعضها ، وفي الخامس من
__________________
(٢٥) يتحدث ابن بطوطة هنا عن طريقة فريدة لإرواء المطايا فعندما تجد القافلة نفسها بجانب عيون لا تساعد الجمال والسائمة على أن تستفيد منها إما لضيق مسالكها وإما لصعوبة الأخذ منها مباشرة ، فإنها ، أي القافلة ، تعمد إلى نصب صهاريج صناعية تخيطها من جلد الجواميس ... وتحضر الابل للشرب والإرواء ... وتتزود القرب والرّوايا (ج راوية) بالماء ، وتستعمل هذه الأحواض كذلك في النزهات الكبرى خارج المدينة لإرواء الضيوف بالربّ والجلّاب ونحوهما ...
وقد كانت هذه العادة معروفة أيضا في الصحراء المغربية عندنا ممّا يعرف باسم الحوض عند ما تحدث المؤرخون عن آلاف القرب التي صنعها المنصور الذهبي وهو يستعدّ للزخف على امبراطورية سنغاي ... أشاروا إلى مثل هذه الصهاريج الاصطناعية التي لا تختلف اليوم عن التي تباع اليوم لتنصب في الحدائق لسباحة الأطفال ...
(٢٦) الأخيضر أو الأخضر : منزل قرب تبوك في واد عميق ذي حمم فابن بطوطة معه الحق في تشبيهه بوادي جهنم ولهذا فان تسميته بالوادي الأخيضر تسمية لا تخلو من نكتة. يقع الأخيضر على الخط ٠٨ ، ٢٨ شمالا و ٠٨ ، ٣٧ شرقا.
(٢٧) سمّيت بالمعظم على اسم المعظم عيسى سلطان دمشق وابن أخي صلاح الدين ـ ١٢١٨ ـ ١٢٢٧ ٦١٤ ـ ٦٢٤.