محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزّبيدي (١٨) ، بضم الزاي ، نسبة إلى قرية بساحل المهدية ، وهو أحد الفضلاء ، وفاته عام أربعين.
وفي يوم وصولي إلى تلمسان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار علي بعض الاخوان بمرافقتهما فاستخرت (١٩) الله عزوجل في ذلك ، وأقمت بتلمسان ثلاثا في قضاء مآربي ، وخرجت أجدّ السير في آثارهما فوصلت مدينة مليانة (٢٠) وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا ، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أربعة أميال من مليانة ثلاثا ، وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع ، فعاد إبنه أبو الطيب(٢١) ورفيقه أبو عبد الله الزّبيدي إلى مليانة فقبروه
__________________
(١٨) كان على الأمير أبي يحيى أبي بكر أن يقاوم طوال السنوات الأولى لإمارته ضدّ عدد من المنافسين ، وقد كان أحد هؤلاء المنافسين المعزّزين من لدن ملك تلمسان ـ تغلّب على مدينة تونس في رجب ـ شعبان ٧٢٥ يونيه / يوليوز ١٣٢٥ ، عندما كان الأمير أبو يحيى محاصرا في قسنطينة من لدن جيوش بني عبد الواد ...!
وهكذا ففي هذه الفترة من التاريخ وجد ابن بطوطة في تلمسان ولقي بتلمسان السفارة التونسية التي عهد إليها ـ على ما يظهر ـ أن تقوم بالاتصال مع أبي تاشفين ليسحب مساندته للمناوئين لصاحب تونس ، والجدير بالذكر أن ابن خلدون ، الذي تحدث بتفصيل في تاريخه عن هذه الأحداث ، لم يتحدث عن هذه السفارة ..! كما أنه لم يأت بأسماء الذين ظلّوا غير معروفين لديه ...
أما عن السفير النفزاوي قاضي الأنكحة فقد كان لابن بطوطة وحده فضل ترديده هنا ، وإن زملاءنا في تونس ليعتمدون فيما كتبوه حول هذا الموضوع على الرحالة المغربي إضافة إلى ما عند الأبي في إكمال الاكمال (ص ٢٩٤) حسبما وقفت عليه بتونس في إحدى زياراتي لها عام ١٩٨٢ ...
أما عن الشخصية الثانية : الزّبيدي فنؤكد كذلك على أهمية معلومة ابن بطوطة حول هذه السفارة التي أهمل ابن خلدون ذكرها كما قلنا ... ابن القنفذ القسنطيني : الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية تقديم وتحقيق محمد الشاذلي النيفر وعبد المجيد التركي ـ الدار التونسية للنشر ١٩٦٨.
عبد الرحمن عون : أطروحة حول الأبيّ صفحة ٥٢ ـ ٢٨٠ وقفت عليها بمكتبة كلية الشريعة بتونس ...
المطوي : السلطنة الحفصية ، دار الغرب الاسلامي ، بيروت ١٤٠٦ ـ ١٩٨٦.
(١٩) صلاة الاستخارة : تعني أن يقوم المسلم عند حال تردده في الاختيار بين أمرين ، مثلا : ـ بصلاة ركعتين : الأولى بالفاتحة وسورة الكافرون والثانية بالفاتحة وسورة قل هو الله أحد ، ثم يدعو : اللهمّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي ... فاصرفه عني ... ويسمّي حاجته ... ثم يفعل ما ينشرح له صدره ... ويكرر هذا الدعاء ، حتى يظهر له وجه الصواب ...
(٢٠) تقع مليانة على وادي شلف شرقي المدينة ، وقد قال عنها الإدريسي : إنها قديمة البناء ، كريمة المزارع ، وقال عنها الحسن ابن الوزان : إنها كانت مدينة كبيرة بناها الرومان ، وإن سكانها يكادون يكونون كلهم صناعا نسّاجين أو خراطين ويصنع هؤلاء أواني من خشب في غاية الحسن ... وهي على بعد أربعين ميلا من البحر ...
(٢١) هذه معلومات كذلك استأثر بها الرحالة ابن بطوطة إلى جانب الأبي في الإكمال ٥ ، ٣٧٠ ـ تراجع أطروحة الأستاذ عبد الرحمن عون حول الأبي (تونس). كلية الشريعة.