وما كان لي أن
أتحدث عن هذه الهفوات التي افترضت أنها مطبعية لولا ما أدّت اليه حيث جاء بعد هذا
أحد زملائنا من لبنان فقام باجتهادات أخرى ، وهكذا اعتمد على زميلنا الذي أشرنا
إليه من غير أن يرجع إلى أصول الرحلة ونقل عنه منهاجه في الاستغناء عن ضبط الأعلام
، وحذف تعليقات ابن جزي من صلب الكتاب لتصبح في الهامش. ولم يقف الأمر عند هذا
الحدّ ، ولكنه تجاوزه إلى إعطاء" تفسيرات" غير صحيحة تماما لبعض الهفوات
الواقعة في الرحلة المنقول عنها" ، مثلا فسّر هذا الباحث : القصد من كلمة (القارات)
، مع أنها التارات وليس القارات ، فسّرها بأنها افريقيا وآسيا وأوربا مضيفا
إلى هذا قوله : " إن إمريكا وأستراليا لم تكونا قد اكتشفتا بعد"! وفسر
القصد من كلمة المملكة (الفارسية). مع أنها المملكة الفارسية : بأنها مملكة مدينة
فاس!! وبدّل هذا الناشر بعض العبارات التي لم تعجبه في الرحلة على نحو ما فعل سلفه
. وأخيرا ظهر له أن يستغنى عن العناوين التي جعلها ابن بطوطة لكتابه وابتكر هو
عناوين أخرى ...
ومن الإنصاف أن نقدر
الجهد المضني للأستاذ طلال حرب في محاولته ـ لأول مرة ـ لإعداد فهارس متنوعة ،
وكنت أتمنى أن يتسع صدره لمراقبة أكثر للكنى والألقاب وللتحري في التعريف بالأعلام
الشخصية ، والتصدّي للأخطاء المطبعية التي كنت أحيانا ضحيتها أيضا!!
وقد وقفنا أخيرا
على طبعة للرحلة صدرت عن دار إحياء العلوم في بيروت (١٤١٢ ـ ١٩٩٢) وكانت بتقديم
وتعليق الشيخ محمد عبد المنعم العريان وقد اعتمد في عمله على ما صدر من بعض
الطبعات السابقة على ما أسلفنا ...
* * *
ويبقى أخيرا أن
نذكر أن رحلة ابن بطوطة ألهمت بعض الكتاب العرب المعاصرين فنسجوا على منوالها رحلة
خيالية ابتدعوها تحت عنوان : (رحلة مغربي إلى حضرموت) وحاكوها بدقة وذكاء حتى مرّت
الحيلة ، ردحا من الزمان ، على بعض زملائنا سيما وقد برع ذلك المخترع في إضفاء حلة
البرود اليمانية على البرانس المغربية .!!
__________________