ابتلعته في أعماقها ، وأننا منذ ذلك الوقت نسمع أصوات النواقيس كل يوم عند العصر ؛ أي في الساعة الثالثة بعد الظهر. وإن كان صحيحا وجود مثل هذه الأصوات المعجزة التي لم أستطع التحقق من وجودها ؛ فإن سبب حدوث ذلك قد يكون سيلا في داخل الأرض ، أو بركانا يتفجر تحت الأرض : وإن وجود العينين المتفجرتين اللتين تحدثنا عنهما قبل قليل ، إحداهما قرب الأخرى ، مع أن طبيعة كل منهما ، ودرجة حرارته مختلفة عن الأخرى اختلافا كليا ، يدل بما لا يترك مجالا للشك على الوجود المتزامن ، والفعل المتقطع أو المستمر ، للماء والنار في أعماق الأرض الغامضة (١). ولما عدنا من هذه الرحلة ، وجدنا ريس مركبنا ؛ والريس اسم يطلقه العرب على قباطنة المراكب ، جالسا مع بعض بحارته على باب منزل متداع يقع خارج المدينة ، يحميه من الشمس إفريز من سعف النخل ، تحمله قضبان من الحديد طويلة مغروزة في الرمل : وتلك هي صورة المقهى في الطور ، ونحتسي فيه مقابل عدد قليل من البارات القهوة قبل كل شيء ، ثم الشيشة المعمّرة ، والماء البارد حسب الطلب. / ٤٢ / يقدم كل ذلك صاحب المقهى بنفسه ، عن طيب خاطر ، ولكن إياك أن تطلب منه أي شيء آخر. كان بحارتنا هناك يجلسون القرفصاء ، والشيشة في أفواههم ، وكؤوس القهوة في أيديهم ؛
__________________
(١) انظر : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٣٥ ؛ وفيه تعليل لصوت النواقيس : " ... وقد كثرت الأقوال في تعليل ذلك ؛ وأشهرها أن الرمال بانهيالها تمر على صخور مجوّفة في باطن القليب فتحدث ذلك الصوت". وهذه الظاهرة معروفة في كثير من الصحاري في الجزيرة العربية ، وقد تكلم عليها عبد الله فيلبي في كتابه : الربع الخالي بشيء من التفصيل.