كانت تمرّ من فوق رؤوسنا لتذهب إلى مكة المكرمة حيث كانت هناك بدون شك أوكارها ، لم نكن إلا على بعد ساعة على الأكثر من مكة المكرمة ، ولكن أحدا لم ينطق باسمها ولو مرة واحدة. وعند الغسق دخلنا في سهل آخر هو سهل العكيشيّة (١) وفيه أدركنا الليل. ثم سرنا ساعتين في ظلام دامس ، وبصمت مطبق. لم يكن أحد يغني ، ولا أحد يتكلم ، وكان يبدو أن لا أحد يتنفس ؛ ولم نكن نسمع إلا صوت تكسر الأعشاب اليابسة تحت خفاف الهجن. وفجأة توقفت القافلة. لقد ضللنا الطريق.
يمر الطريق العادي بين جدة والطائف عبر مكة المكرمة ، ولم يكن العرب الذين يرافقونا بدءا من الشريف حتى العبيد ، قد سلكوا من قبل طريقا غيرها ، لأنه لم يكن عليهم أن يرافقوا قبلنا مسيحيين ، ولم يكن عليهم بالتالي أن يتجنبوا المرور بمكة المكرمة /// ، ولّما كانوا يحرصون على إخفائها عن عيوننا ، فإنهم ضلوا الطريق الصحيحة ، وإن التفافهم على الطريق بدافع التقوى / ٢١٤ / جعلهم يخطئونه ، وبذلوا جهودا لم تنفع
__________________
(١) جاء في معجم معالم الحجاز ، للبلادي ، ج ١ ، ص ١٥٣ ـ ١٥٤ العكيشيّة : بلاد أسفل مكة المكرمة ، كانت لآل السبحي ، بات بها جيش الحسين بن علي أمير مكة المكرمة عند حملته على عسير سنة ١٣٢٩ ه. وهي اليوم مزارع عثرية إلى الجنوب الغربي من مكة المكرمة ، يصب سيلها على حد الحرم الجنوبي وتصب فيها شعاب الوتائر ـ جمع وتير ـ من الغرب ، وهذا هو ما كان يسمى الوتير ، أما اسم العكيشية فحادث ، وفيها بئر تسمى بئر السبحي ... وأرضها عبارة عن نهي بين الجبال وكتبها ديدييه Okech.