عليها لا يتقدمه إلا رئيس الوزراء ، ويتقاضى سنويا مليونا ومئتي قرش ، يضاعفها مرتين أو ثلاثا عادة ، إن لم يزدها عشرة أضعاف بالطرق المألوفة في تركية وغيرها. ويبدو من الطبيعي أن يقيم في مكة ، ولكنه لا يقوم إلا بزيارات نادرة إلى عاصمة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وزياراته للمدينة المنورة أكثر ندرة ، ويقيم في جدة طول الوقت ؛ بسبب أن هذه المدينة هي مقر الجمارك التركية ؛ وهي المورد الرئيسي ، ويكاد يكون الوحيد ، لموارد الحجاز العامة ؛ وإننا لا نستطيع ، حسب مبدأ الخوري تيري (١) Terray ، أن نأخذ إلا حيثما نجد ما يؤخذ ، ومن جمارك جدة غرف الباشا / ١٤٨ / ما شاء الله له أن يغرف (٢). هنا يوجد الكنز في نظر التركي ، وهنا يوجد قلبه وشخصه أيضا.
زرت الباشا منذ اليوم التالي لوصولي ، ولكن ليس قبل أن أرسل من يخبره بذلك ، بضع ساعات قبل موعد الزيارة ، كما هي العادة بين ذوي الاعتبار. كان الاستقبال في
__________________
(١) Terray (L\'abbe Joseph ـ Marie) ـ الخوري تيري : مراقب مالي عام ، ولد في بوين Boen في منطقة (اللوارLoire) في فرنسا عام ١٧١٥ م ، وتوفي في باريس ١٧٧٨ م. قام بعدد من الأعمال التي قيدت الأعمال التجارية وفرضت عليها ضرائب وقيودا ضخمة بعد أن استطاع على الرغم من أعماله السيئة أن يصبح مفتشا ماليا عاما في عام ١٧٦٩ م.
(٢) يقول بوركهارت في رحلاته ، موثق سابقا ، ص ٥١ ـ ٥٢ : " ويحكم جدة باشا يحمل ثلاثة ذيول (أو أطواخ) وله الأقدمية على معظم الآخرين بحكم ارتباط جدة بالمدينتين المقدستين ، إلّا أن منصب ولاية جدة يعد تشريفا قلّ أن يأبه به نبلاء الأتراك ، إذ إنهم دائما يعتبرون جدة مكانا للنفي أكثر منها مكان ترقية إلى منصب رفيع ، وكثيرا ما يعيّن في ولاية جدة رجل دولة مغضوب عليه. ووالي جدة يلقّب نفسه والي جدة وسواكن والحبش وليس والي جدة فحسب ، وتأييدا لهذا اللقب فإنه يقيم مكاتب للجمرك في كل من سواكن ومصوع اللتين كانتا قبل حكم محمد علي تابعتين كلية لشريف مكة". انظر تعليق المترجمين في الحاشية (١) من ص ٥٢ على المقصود بالحبش.