عميرة الطائيّ (١) الطريق فأمر خالد من معه بأن يترووا للشّفة لخمس ، وأمر صاحب كلّ خيل بقدر ما يسقيها ، فظمأ كل قائد من الإبل الشّرف الجلال ما يكتفي به ، ثم سقوها العلل بعد النّهل ، ثم صرّوا آذن الإبل وكعموها ، وخلّوا أدبارها. وقال محرز بن حريش المحاربيّ لخالد : اجعل كوكب الصّبح على حاجبك الأيمن ، ثم أمّه تفض إلى سوى ، فركبوا من قراقر مفوّزين ـ في السّماوة ـ إلى سوى وهي على جانبها الاخر مما يلي الشام ، فلما ساروا يوما افتضوا لكل عدة من الخيل عشرا من تلك الإبل ، فمزجوا ما في كروشها ما كان من الألبان ، ثم سقوا الخيل وشربوا للشفة جرعا ، ففعلوا ذلك أربعة أيام ، وفي صبيحة اليوم الخامس بلغوا سوى بعد سرى مضني ، ووجدوا الماء يقال خالد : عند الصباح يحمد القوم السّرى. وقال أحدهم في الدليل :
لله عينا رافع أنّى اهتدى |
|
فوّز من قراقر إلى سوى |
خمسا إذا ماسارها الجبس بكى |
|
ماسارها قبلك إنسيّ أرى |
وقد عرف خالد بالمغامرات في اختراق الفيافى ، ففي ذي القعدة (سنة ١٢) خرج من الفراض ـ تخوم الشام والعراق ـ مكتتما لحجّة ، ومعه عدة من اصحابه ، يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت ، فتأتي له من ذلك ما لم يتأتّ لدليل ولا رئبال ، فسار طريقا من طرق أهل الجزيرة لم ير طريق أعجب منه ولا أشدّ على صعوبته منه ، استعرض البلاد متعسّفّا متسمّتا فقطع طريق الفراض ، ثم ماء العنبريّ ، ثم مثقبا ، ثم انتهى إلى ذات عرق فشرّق منها ، فأسلمه إلى عرفات من الفراض ، وسمي ذلك الطريق الصد (٢).
__________________
(١) : انظر ترجمته فى الإصابة رقم ٢٥٣٨.
(٢) : تاريخ ابن جرير حوادث سنة ١٢ ه.