إغفاله ، فالأمة العربية أحوج ما تكون إلى ربط حاضرها بماضيها ، وكثير من النصوص القديمة في الأدب أو الشعر أو التاريخ لا يمكن فهمها فهما تامّا بدون معرفة ما تتصل به من بيئة. وكيف نفهم كثيرا من الوقائع التاريخية كالغزوات النبوية ، ووقعات حروب الرّدّة إذا لم نعرف المواضع التي حدثت تلك الغزوات والوقعات فيها؟!
وكيف نتصوّر حياة أي شاعر من الشعراء المتقدمين تصوّرا تامّا بدون معرفة مرابع صباه ومراتع هواه؟!
وهل ندرك حقيقة ما أورده المؤرخون من خبر خوض العلاء بن الحضرمي وجيشه البحر إلى دارين من القطيف بدون أن نعرف حالة البحر الواقع بينهما مع ما أحاط المؤرخون به هذا الخبر من المبالغة والتهويل حتى صار الخبر مزالق أقدام ومزلّة أفهام لكثير من الباحثين المتأخرين (١)؟!
أما الغاية من هذا المعجم فهي واضحة ، وشدّة الحاجة إليه مما لا يجهلها أحد.
وكان من الأولى ـ والأجدى نفعا ـ أن تتولّى القيام به مجموعة من ذوي الاختصاص من العلماء والباحثين ، بطريقة مرسومة قبل البدء بالعمل ، ولكن كما قيل : (ما لا يدرك كله لا يترك كله).
وهذه النخبة الطيبة من الإخوة الذين تصدّوا للقيام بما يستطيعون القيام به في هذا السبيل لا يجوز أن يغمطوا حقّا ، أو ينتقصوا قدرا ، ولو لم يكن لهم إلّا فضل السبق إلى هذا العمل لكفى ، مع أنهم وضعوا الأسس ، ورسموا الطريق فأوضحوا معالمه لمن أراد سلوكه من بعدهم ، بل ليس من المغالاة القول بأنهم أوفوا على الغاية
__________________
(١) انظر مثلا لذلك ما جاء في كتاب «ابو بكر الصدّيق» للدكتور حسين هيكل باشا ـ عن هذه الحادثة ـ خوض العلاء البحر ـ.