الفصل التاسع والأربعون
بيان ما فى القاهرة من دكاكين طوائف الحرف
وأعداد العاملين بها
ولأن أرباب الحرف الآتى ذكرهم يخضعون لإدارة المحتسب فقد أقاموا موكبا عظيما وكأنه موكب السلطان. وبعد أن حمد المحتسب أغا الله وأثنى عليه ما هو أهله من ثناء فى جامع المحمودية اعتلى صهوة جواده ، فأطلق الجند بنادقهم تحية وتعظيما له ، وعزفت الموسيقى العسكرية ، ودوت أصداء كلمة الله فى جميع أرجاء مدينة القاهرة.
وفى بداية الموكب مرّ الصوباشى فى سبعمائة قواس يحملون العصى وألف فارس من البدو وثلاثمائة من حملة المشاعل ، مر كذلك فى معيته مئات الموسيقيين والمطربين ، إذ إنهم تحت إدارته ، واشتد الزحام وكأنما ظهر حمار الدجال وازدحم الناس حوله ، وارتفعت الضجة كأنما حل يوم الحشر ، وارتفعت أصوات جلادى الصوباشى قائلين : «هذا وكيل السلطان والى الولايات حفظه الله ، الله ينصر السلطان».
وقد نبهوا الناس ، الذين ازدحموا كموج البحر الخضم ، بهذا من كلامهم ، ثم قدم الصوباشى وعليه مظاهر العظمة والجلال وعلى جانبيه من يحملون عدة آلاف من القناديل وأربعون أو خمسون من الغلمان الصباح ، ومر فى أثرهم أربع فرق من فرق الموسيقى العسكرية ، إلا أنه فى ليلة المحتسب تلك لم يحضر الأعيان ولا الأشراف والعلماء والصلحاء ومشايخ السادات والأئمة والخطباء والقضاة قط ، فقد كانوا ينتظرون قدوم الموكب فى السوق السلطانية ، وهم لم يكونوا مكلفين بالمشاركة فى الموكب.
وفى تلك الليلة ظلت المدينة مضاءة بالزينات حتى مطلع الفجر وكأنها ليلة القدر ، وبأمر من الباشا اجتمع الغلمان والشباب والفتيات ويسمى الظرفاء فيما بينهم موكب المحتسب ب «موكب الأحباء» ، ففى تلك الليلة كل من فى مدينة القاهرة من الفتيات الحسان يلبسن حليهن الذهبية وثيابهن المزركشة ويشاهدن هذا الموكب بعد الاستئذان من أولياء أمورهم ، وينبغى أن يكون لكل ابن من أرباب الحرف ثوب خاص وعلى رأسه