وبناء على هذا الإحصاء فإن حمّامات القصور سالفة الذكر تقدر بستين ألف حمّام فى القاهرة. وهذا ما عرض على السلطان مراد. ولكن مياه هذه الحمّامات إلى الملوحة أميل وذلك لحكمة يعلمها الله. ولكن إئا ما فاض النيل وجرت مياه الخلجان فى المدينة أصبحت مياه الحمّامات القريبة من هذه الخلجان مياه عذبة ، فماء حمّام «القيسونى» مثلا ماء عذب.
ويقول الأطباء إن الماء الملح ماء مفيد وبه تصح الأبدان ، ولكل حمّام فسقية وحوض ولأن أهل القاهرة جميعا ـ عدا النصارى ـ على المذهب الشافعى. وإذا لم ينزلوا إلى الحوض الشافعى لم ينظفوا. ولها جو يناسب جو مصر ولا وجود لمواقد تحت حمامات القاهرة ، كما أن ما وراء جدرانها الأربعة ليس خاليا ، إنها جدران صلبة وبما أن سخانات الحمامات تجعل المياه شديدة الحرارة فإن ماء الشادروانات تشتد حرارته كذلك. وقدور الماء الساخن فى أركان الحمّام تتجمع مياهها على رخام الحمام وليس للحمّام بالوعة ولشدة حرارة هذه المياه تشتد حرارة الحمّام بحيث لا يستطيع أحد أن يضع قدمه على أرضيته وماء الحمّام لا يبرد قط وهو حار على الدوام ليل نهار ، وذلك لوجود أربعة أو خمسة خزانات للماء فوق كل حمّام وماء هذه الخزانات يفيض ويتدفق إلى الحمّام ولذا فالماء حار على الدوام. وخزان تسخين الماء فى بلاد الترك وخزان الماء البارد بخلاف ذلك فالخزانات فى مصر من الرصاص وليست من النحاس كما فى بلاد الترك ، وهذا ما لا وجود له إلا فى مصر ، إنها صناعة عجيبة محيرة للعقل جديرة بالمشاهدة.
وفى القاهرة لا يشعلون الحطب فى الحمامات قط وإنما يحرقون فضلات الماشية التى تسمى عندهم «بالجلّة» ، وللحمّاميّة أربعة أو خمسة كناسين بالأجرة وهؤلاء الكناسون يتجولون فى الشوارع الرئيسية ويكنسونها بحيث لا يبقوا ذرّة من تراب أو قش ويحضرون هذا القش إلى أتون الحمامات ويكومونه أكواما أكواما كالجبال ، ويضرمون فيه النار. والزنبيل هو رأس مال الحمّامى ، والحمّاميّة يحملون ما فى الزنابيل