وجل بحسن التوكل عليه ، وصدق النيّة له بطاعته لا حتاجت إليه الأمراء ، فمن دونهم ، فكيف يكون هذا يحتاج وموئله وملجؤه إلى العزيز الحميد.
نقلت من خط القاضي أبي عمرو الكرجي ، قاضي معرة النعمان : حدثني أبو أحمد عبد الله بن داود الحناط الكرجي بطرسوس ، قال : حدثني أبي داود بن محمد أبو صالح قال : قرأ علينا الساوي عبد الله بن علي المقرئ خطبة أبي السري منصور بن عمار الواعظ رحمه الله في الجهاد ، وكتبنا هنا عنه ، إملاء.
قال منصور بن عمار : وذكر الخطبة ، وقال في آخرها : الدليل على ما أقول حديث أبي قدامة العابد الفلسطيني البكاء قال أبو قدامة : بينا أنا خارج من عين زربة في سرية ، وكنت على ساقة الناس ، إذا أنا بهاتف يهتف من ورائي : أبا قدامة ، فلم ألتفت إليه ومضيت غير ملو عليه ، فهتف بي الثانية ، فإذا أنا بامرأة كأجمل ما يكون من النساء ، فتركتها ومضيت ، وخفت أن تكون مكيدة من إبليس يقطعني عن غزوتي ويشغلني عن سبيل (١٧٨ ـ ظ) ربي قال : فصوتت بي الثالثة بصوت حزين أوجعت قلبي وأدمعت عيني ، وهي تقول : أبا قدامة تواضع رحمك الله ، ليس هكذا كان من مضى قبلك ، قف عليّ فوقفت عليها ، فلما بلغت إليّ قالت : تنح عن الطريق ، فعدلنا فقالت : أبا قدامة إني أريد أن أستودعك وديعة فاكتمها عليّ ، قال : قلت : وما هي؟ قال : فضربت بيدها الى ردائها والدموع تنحدر على نقابها ، فقالت : أبا قدامة إني أريد أن أستودعك وديعة ، إني عمدت الى ناصيتي ومواضع السجود من قصتي فأخذته وجعلته قيدا لفرس الغازي في سبيل الله ، لعل الله ينظر الى شعري في الثرى قد وطئته الخيل بسنابكها فيرحمني ، فو الله لولا أنك غريب في زمني هذا ما أطلعتك على سري ، ولا أخبرتك بداخلة أمري ، قال : قلت : إني أخاف أن آثم قالت : لا يؤثمك الله ، فوددت أني قدرت أن أقد من جلدي سيرا يكون عذارا لفرس الغازي في سبيل الله لينظر إليّ الرحيم بخلقه الرؤوف المنان بعباده ، وينظر الى جولان فرس الغازي في سبيل الله وينظر الى سيور من جلدة حرة من حرائر المسلمين ويرحمني.
قال : فبينا أنا أسير إذا هاتف ينادي : يا عم ، قال : فالتفت فإذا أنا بغلام قد أقبل ، فقال : يا أبا قدامة خذ هذه السكين في سبيل الله ، فلم يزل يطلب إليّ حتى أخذتها (١٧٩ ـ و) منه.