ابراهيم بن يعقوب الطرسوسي قال : سمعت أبا القاسم فارس بن أبي الفوارس يقول : كنا بمصر جماعة من الفقراء ومعنا أبو الغريب ، وكان يأتينا بالجامع حدث من أبناء المياسير ، فوقع في قلب أبي العريب ، فكان اذا رآه تغير وأدخل رأسه في مرقعته لا ينظر اليه ، فقلنا له يوما : باسطه لعله يخف عنك ، فمد كفه اليه كالسائل ، وهو عنه معرض فدفع الفتى اليه خاتمه ، فلبسه أبو العريب ، وذهب الفتى وأخبر أبوه بذلك ، فأرسل الى أبي العريب يسترد خاتم ابنه ، فأدخل أبو العريب اصبعه (١٥٢ ـ و) في فيه يخرج الخاتم فامتنع عليه ، فلم يملك اصبعه (١) أن قطع اصبعه بأسنانه ، ووضعها مع الخاتم في كف الرسول ، وقام فخرج.
قال أبو القاسم : فخرجنا في الفداء بعد سنين ، فاذا أنا به في بعض بلاد الروم ، فقلت له : كيف تجدك؟ فقال : كما كنت ، قلت : ويحك قد عاش الفتى ومات أبوه ، فلو قدمت معنا ، فقال : والله لا دخلت ديار الاسلام وسرّي يعبد سواه.
ونقلت من كتاب سير السلف (٢) تأليف الحافظ أبي القاسم اسماعيل بن محمد ابن الفضل : ذكر أبي الغريب الاصبهاني ، رحمه الله ، لقي المتقدمين من المشايخ ، أقام بطرسوس برهة ، ثم رجع الى مكة ، ثم رجع الى شيراز فاعتل فيها علة شديدة وظننا أنه يموت ، فقال : ان مت بشيراز فادفنوني في مقابر اليهود فتعجبنا من قوله ، وسألناه عن ذلك فقال : اني سألت الله عز وجل أن يكون موتي بطرسوس ولا أشك أن موتي هنالك ، فبرأ من العلة وخرج ، وآخره مات بطرسوس.
وقال : قال الحسين بن جعفر : دخلنا على أبي الغريب بطرسوس وقد ورمت فخذاه ، وشق من وركه الى ركبته ، وسال منه القيح الكثير وهو بحالة عجيبة ، فقال له بعض أصحابنا : كيف أنت؟ فقال : كما ترى ، وبعد ما قلت «مسني الضرّ» (٣) مات بطرسوس.
__________________
(١) كذا بالاصل.
(٢) لم أقف على ذكر بوجوده.
(٣) في هذا اشارة الى قوله تعالى في سورة الانبياء ـ الآية ٨٣ : «وأيوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين».