وكان ملقى الحران
منابت الزعفران بسطة حرسها الله ، وما بسطة محل خصيب ، وبلدة لها من اسمها نصيب
، بحر الطعام ، وينبوع العيون المتعدّدة بتعدّد أيام العام. ومعدن ما زيّن للناس
حبّه من الحرث والأنعام. يالها من عقيلة ، صفحتها صقيلة ، وخريدة ، محاسنها فريدة
، وعشيقة (نزعاتها) رشيقة ، لبست حلي الديباج الموشى ، مفضّضة بلجين الضحى ، مذهّبة بنضار العشا
، وسفرت عن المنظر البهي ، وتبسّمت عن الشنب الشهي وتباهت بحصونها مباهاة
الشجرة الشمّاء بغصونها ، فوقع النفير وتسابق إلى لقائنا الجم الغفير ، مثل
الفرسان صفّا ، وانتشر الرّجل جناحا ملتفّا ، واختلط الولدان بالولائد ، والتمائم بالقلائد في حفل سلب
النهى وجمع البدر والسهى ، والضراغم والمها ، وألّف بين القاني والفاقع ، وسدّ
بالمحاجر كوى البراقع ، فلا أقسم بهذا البلد وحسن منظره الذي يشفى من الكمد لو نظر
الشاعر إلى نوره المتألق لآثرها بقوله في صفة بلاد جلّق :
بلاد بها
الحصباء در وتربها
|
|
عبير وأنفاس
الرياح شمول
|
تسلسل منها
ماؤها وهو مطلق
|
|
وصحّ نسيم الروض
وهو عليل
|
رمت إلى غرض الفخر
بالسهم المصيب ، وأخذت من أقسام الفضل بأوفى نصيب ، وكفاها بمسجد الجنّة دليلا على
البركة ، وبباب المسك عنوانا على الطيب يغمر من القرى موج كموج البحر. إلا أن
الرياح لاعبتنا ملاعبة الصراع ، وكدّرت القرى بالقراع ، فلقينا من الريح ما يلقاه
قلب المتيّم من التبريح ، وكلّما شكت إليها المضارب شكوى الجريح ، تركتها بين
المائل والطريح.
__________________