إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

خطرة الطيف

129/173
*

بفرائد التسويد ، تكرّرت على المدى زيارته ، وانصرفت شطر الوجهة عنايته ، واسترخصت في استجلاب القصور والمعاهد هشّته ، وخفت إليها على الكبر والرّقبة حركته.

ثم جمعت بين الغرّة العتيقة والمهنّدة المحلاة والصامت الدّثر هديته ، عن خصاصة متقرره ، وحال رقيقه لقصور دخله عن خرجه ، وما جرّه كف يده ، ووازع عفّته ، وجناه الوفاء من نكبته. أصلح الله حاله ، وزاده من جميل نظر الملك ما يقيم أوده.

ومنهم والي الوطن ، ومؤمن السبل ، وجمّاعة مال الجباية ، الشيخ الرئيس الفقيه أبو عبد الله بن حسّون بن أبي العلي وقد مرّ بعض ذكره (٥٦٠). وهو فريد العصر بل الدهر في الخلال المبرّة والخصال الحرة ، من مذكّر بالبرامكة ، مغبّر في وجوه سبّاقهم انتهازا لفرص المكارم ، وسالكا في هوى المآثر ، ما شئت من مغل لبضائع الحمد ، منتقب بورد الخجلة ، مرسل أعنة الاعتذار في أعقاب ملوكي العطية ، يهب الكتائب غانمات ، والمهى مستردفات ، والجياد عرابا ، يقوم على الأصلين والنطق ، وهما الفنّان المهذّبان للعقل ، المستدعيان لكثير من المواد ، يعترف له بالتقدم في ذلك مشارك في غيره ، حسن الصورة ، مهيب جزل وقور حاسر عن الاطلاع والكفاية. لم يبلغ عندي في البر مداه ، ولا بلغ جناح شكر ندى كنداه. ولقد أقسم بالغموس بعد أن بان رزحه من وظائفه الباهظة (٥٦١) ، وقعود زمنه عن أمله ، وقصور وجده عن مرمى همّه أن لو ألفى سعته التي تعوّدها ، لنقدني ثمن ما غصبته بالأندلس عن يد (٥٦٢) ، إبلاغا في المكارمة ونزغا إلى هدف الحرية ، واسترقاقا

__________________

(٥٦٠) لم يرد ذكر هذا الاسم في الصفحات السابقة من هذا الجزء ، فلعل إشارة ابن الخطيب هنا تعني الجزء الأول المفقود من نفاضة الجراب. ويؤيد هذا الكلام أن المقّري أورد قصيدة موجهة من ابن الخطيب إلى هذا الوالي ابن حسّون ، ولم ترد هذه القصيدة في النسخة التي لدينا راجع (المقّري : أزهار الرياض ج ١ ، ص ٢٨٩).

(٥٦١) رسمت في الأصل باهضة.

(٥٦٢) من المعروف أن ضياع ابن الخطيب بالأندلس وداره الرخامية بمدينة غرناطة قد صودرت واستولى عليها السلطان المغتصب إسماعيل بن يوسف بن نصر. انظر (نفاضة الجراب لوحة ٣٥) وهذه الإشارة تدل ضمنا على أن هذا الكتاب قد ألّفه ابن الخطيب بالمغرب كما سبق أن بينا.