وانحدرنا عن ذلك
المرفق فأسهلنا ببطن الوادي ، وأرحنا بجلسة موطأة معدّة لاستجمام السلطان رحمهالله ، قد ظلّلتها الأشجار ، تجري تحتها عين خرّارة كأعظم
الأنهار فوق حصى كدرّ النحور ، القريبة العهد بلجج البحور ، أو كثنايا الحور. تركت في تلك الجلسة أثقاب وخروت تفضي إليه ، تجعل الجعائل على إمساك اليد بها برهة معتبرة ، يفتضح متعاطي ذلك لخصرها
، وما يؤثر البرد الشديد في حسّ عصبها. وجلب إلى ذلك المكان من الطعام
والفاكهة والشهد ما يحار فيه الوصف.
ثم انتقلنا إلى
محل النزول ، ومثوى الكرامة من المضارب ، ودعينا إلى الدور حيث سكنى أولئك الأشراف
، يغمرنا بكل دار منها من الأطعمة ما يحار فيه الفكر ولا تنال منه إلا العين.
وتشاهد من أجناس الفرش المرفوعة والمراتب المقدرة ، والستر الديباجيّة المسدولة
على الأرائك الممهدة ، والسيوف المعلقة ، تتخللها العدّة من أصونة مدمج القرآن وصحيح الحديث ساكنة منها في جفون منقوشة محلاة بالإبريز ، مقلّدة بمحامل الحرير النسيج.
وعند الانصراف إلى
المضارب ، أقبلت التحف والهدايا من المقرّبات الكاملة تختال في الحلية ، والكسا
الرفيعة طيّ الأوعية الرقيمة ، فعجز الشكر وبان التقصير.
ثم غمر الطعام
وتخلّف الشيخ عن المجالسة والمؤاكلة معتذرا عنه بألم مانع نغص لدينا النعيم ، وكدر
(٦ و) الشّرب تطيرا من وداعنا إياه حلس فراش أو رهين شكاية. ثم (إنه
حدسنا أنه ألم الحسباء) وتذكّرنا قول الأول :
__________________