تناصف الحرّ
والبرد ، وتبسّم الزهر وخجل الورد ، وكسا غدرانها الحائرة الحلق السرد ، قلت انجز
للمتقين من الجنّة الوعد ، وساعد العسد ، وما قلت إلا بالذي علمت سعد. ومنارها
العلم في الفلاة ، ومنزلته في المآذن منزلة والي الولاة ، إلا أن هواءها محكم في
الجباه والجنوب ، يحمي عليها بكير الجنوب ، وحمياها كلفة بالجسوم ، طالبة ديونها
بالرسوم ، وعقاربها كثيرة الدبيب ، منغّصة مضاجعة الحبيب. وخرابها موحش هائل ، وبعد
الأقطار عن كثير من الأوطار بها حائل ، وعدوّها ينتهب في الفتن أقواتها ، وجرذان
المقابر تأكل أمواتها. وكانت أولى المنازل بالإغياء لو أنها اليوم معدودة في الأحياء.
قلت فأغمات ، قال بلدة لحسنها الاشتهار ، وجنّة تجري من تحتها الأنهار
، وشمامة تتضوع منها الأزهار ، متعددة البساتين ، طامية بحار الزياتين ، كثيرة
الفواكه والعنب والتين. خارجها فسيح ، والمذانب فيه تسيح ، وهواؤها صحيح ، وقبولها
بالغريب شحيح ، وماؤها نمير ، وماء وردها ممدّ للبلاد وممير. إلا أن أهلها يوصفون
بنوك وذهول ، بين شبان وكهول ، وخرابها يهول ، وعدوّها تضيق لكثرته السهول ،
وأموالها لعدم المنعة في غير ضمان ، ونفوسها لا تعرف طعم أمان.
قلت فمدينة مكناسة
، قال مدينة أصيلة ، وشعب المحاسن وفصيلة ،
__________________