محتبك بين أشجار وأنهار وترنم طيور على اختلاف الألحان تحار في منظره البديع الأبصار ويوجب التفكر في قدرة الله الملك القهار ، والحمائم فيه مغردة والأهوية مع المياه مبردة ، ولما سمعت من الحمائم التغريد أنشدت قول الوزير ابو عمر بن عبد الملك بن شهيد (١) :
الكامل
وما طربت (٢) فوق الغصون حمامة |
|
الا رأيت دموع عيني تسكب |
واذا الرياح تناوحت الفيتني بين |
|
الصبابة والأسى اتقلب |
يا عاذلي في الحبّ مهلا بالأذى |
|
لو كنت تعشق ما ظللت تؤنب |
كم حاولت نفسي السلو فطالبت |
|
أسبابه جهدا فعز المطلب |
فنزلنا بجامعها الكبير واذا به عالي المنار به عواميد كبار مقبّى بالاحجار وله شباكان مطلان على الوادي (٦ ب بر).
وتلك المياه والأشجار لا يصلي احد فيه ولا يحوم من اهل القرية شخص حول ناديه ، فتأسفت من ذلك واسترجعت على ما هنالك ، ثم جاءنا أهل القرية مسلّمين ، ولما حلّ بهم من الباشا شاهين (٣) شاكين ،
__________________
(١) ابن شهيد : أحمد بن ابي مروان عبد الملك بن ابي عمر أحمد ذي الوزارتين ابن عبد الملك بن شهيد القرطبي ، ولد حوالي سنة ٣٨٢ ه / ٩٩٢ م ، نظم الشعر في مرحلة مبكرة من عمره ، عاصر الفتن والنكبات التي حلت بمدينة قرطبة وعانى الكثير على يد رجال الدولة الحموديّة بالاندلس ، تولى الوزارة وكانت وفاته سنة ٤٢٦ ه / ١٠٣٤ م ، حول حياته انظر شارل بلا ، ابن شهيد الاندلسي ، حياته واثاره ، عمان ، ١٩٦٥ ، ص ١٧ ـ ٨٥. كذلك ديوان ابن شهيد الاندلسي ، جمع وتحقيق يعقوب زكي مراجعة محمود مكي ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، لا. ت ، ص ٨٨.
(٢) في الديوان «ما اطربت» ، انظر ديوان ابن شهيد الاندلسي ، جمع شارل بلا ، دار المكشوف ، بيروت ، ١٩٦٣ ، ص ٢١.
(٣) الباشا شاهين : يذكر اسطفان الدويهي في اخبار سنة ١٠٤٧ ه / ١٦٣٧ م ان برجال أحمد انفصل عن أيالة طرابلس وتولاها شاهين باشا ، الذي قام بتصفية آل سيفا في طرابلس وعكار ، «وصار التفتيش في القرى والديورة على أرزاقهم ... تشتتوا السيفيلية وبادوا من ايالية طرابلوس» ، تاريخ الازمنة تحقيق الاب فرديان توتل اليسوعي ، بيروت ١٩٥١ ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، والجدير بالذكر انه قبل توليه طرابلس كان قد عمل كتخدا في القصر السلطاني واغا للينكرية وكانت وفاته سنة ١٠٥٤ ه / ١٦٤٤ م ووصف بالكفاية في الامور الادارية ، انظر محمد ثريا ، سجل عثماني ، تصوير طبعة اسطنبول سنة ١٣١١ في Gregg International ,Hants ,١٧٩١ م ٣ ، ص ١٣٣.