كالنفط ، ويمشي وهامته تحترق وروائح لحم رأسه تفوح ، وهو لا يتغتّر في مشيته ، ولا يظهر منه جزع ، حتّى يأتي النّار فيثبت فيها فيصير رمادا.
فذكر بعض من حضر رجلا منهم يريد دخول النّار ، انّه لما اشرف عليها أخذ الخنجر فوضعه على رأس فؤاده فشقّه بيده إلى عانته ، ثمّ أدخل يده اليسرى فقبض على كبده ، فجذب منها ما تهيأ له ، وهو يتكلّم ثمّ قطع بالخنجر منها قطعة فدفعها إلى اخيه استهانة بالموت وصبرا على الألم ، ثم زجّ بنفسه في النّار إلى لعنة الله. (١)
وزعم هذا الرجل الحاكي : أنّ في جبال هذه الناحية قوما من الهند سبيلهم سبيل الكنيفية (٢) والجليدية (٣) عندنا في طلب الباطل والجهل وبينهم وبين أهل الساحل عصبية ، وانه لا يزال رجل من أهل الساحل يدخل الجبل فيستدعي من يصابره على التمثيل (٤) بنفسه ، وكذلك أهل الجبل لأهل الساحل ، وأنّ رجلا من أهل الجبال صار إلى أهل الساحل لمثل ذلك ، فاجتمع إليه النّاس بين ناظر ومتعصب ، فطالب أهل العصبية بأن يصنعوا مثل ما يصنع فإن عجزوا عنه اعترفوا بالغلبة ، وانه جلس عند رأس منابت القنا وأمرهم باجتذاب قناة من تلك القنا وسبيله سبيل القصب في
__________________
(١) للتوسع في ذلك انظر ما ورد في رحلة ابن بطوطة.
(٢) الكنيفية : كذا بالنون ولعله التكيفية بالتاء المثناه وهم اصحاب السيوف.
والكتيف السيف : الصفيح وضبّه الحديد.
(٣) الجليدية : المجالدون.
(٤) التمثيل أي مثاله مثل نفسه. اي يطلب من يكون ندّا له.