[حذق أهل الصين في دقيق الصناعات](١)
وأهل الصين من احذق خلق الله كفّا بنقش وصناعة وكلّ عمل لا يقدمهم فيه أحد من سائر الأمم ، والرجل منهم يصنع بيده ما يقدّر أنّ غيره يعجز عنه ، فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع ، فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة ، فان لم يخرج أحد فيه عيبا جازاه وأدخله في جملة صنّاعه ، وان أخرج فيه عيب اطّرحه ولم يجازه.
وأن رجلا منهم صوّر سنبلة عليها عصفور في ثوب حرير لا يشكّ الناظر إليها أنها سنبلة وأن عصفورا عليها ، فبقيت مدّة وانّه اجتاز بها رجل أحدب فعابها ، فأدخل إلى ملك ذلك البلد وحضر صانعها فسأل الأحدب عن العيب ، فقال : المتعارف عند النّاس جميعا انّه لا يقع عصفور على سنبلة إلّا أمالها ، وأن هذا المصوّر صوّر السنبلة قائمة لا ميل لها ، وأثبت العصفور فوقها منتصبا فأخطأ فصدّق ولم يثبت الملك صانعها بشيء ، وقصدهم في هذا وشبهه رياضة من يعمل هذه الأشياء ليضطرهم ذلك إلى شدّة الاحتراز وإعمال الفكر فيما يصنع كل منهم بيده.
[قصة ابن وهب القرشي وما وقع له مع ملك الصين](٢)
وقد كان بالبصرة رجل من قريش يعرف بابن وهب من ولد هبّار (٣) بن الاسود ، خرج منها عند خرابها فوقع إلى سيراف ، وكان فيها مركب يريد بلاد الصّين فنزعت به همّته بالمقدار الجاري على
__________________
(١) أنظر هذا النص في مروج الذهب ١ : ١٤٦
(٢) أنظر هذه القصة بتوسع في مروج الذهب ١ : ١٤٢
(٣) هو هبّار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي القرشي شاعر من الصحابة وكان له قدر في الجاهلية وهو جد الهباريين ملوك السند (الأعلام ٨ : ٧٠).