قلب السمك بارد جدّا فلذلك يحتاج إلى نفس قليل يجتذبه بمجار ضيّقة ، والماء لكونه أغلظ فما يصل إلى نفسه في تلك المجاري من الهواء شيء يسير ، فإذا برد الهواء فما يصل إلى نفسه أكثر ، لأنه ألطف ، فإذا برد الهواء في قلبه بردا مفرطا تلف ، انتهى. وهذا صريح في أن الهواء يدخل جوفه ، والله أعلم بالواقع.
وقال الجاحظ : السمك يسبح في غمر الماء ولا يسبح في أعلاه ، ونسيم الهواء الذي يعيش به الطير لو دام على السمك ساعة قتله.
واستثنى الغزالي نوعا لا يضرّه الهواء ، قال : ومن السمك نوع يطير على وجه البحر بمسافة طويلة ثم ينزل.
قلت : وقد رأيت أنا هذا السمك الطيّار على وجه البحر. وما أحسن قول ابن التلميذ (١) يصف السمك :
لبسن الجواشن خوف الرّدى |
|
وعلّين من فوقهنّ الخوذ |
فلمّا أتيح لها أهلكت |
|
ببرد النّسيم الذي يستلذ (٢) |
وسنذكر جملة من أخبار البحر وعجائبه فيما يأتي إذا أفضت النوبة إليه إن شاء الله تعالى.
رجع ـ وما زالت السفينة تنساب بنا انسياب الحيّة حتى وصلنا بندر (اللحيّة) (٣) فامتطينا صهوة الزورق ، وظننا أنّ غصن الخلاص قد أورق ونزلنا البندر المعمور ، فألفيناه بكلّ خير مغمور ، وفيه من أنواع الفواكه ما يلتذّ به كلّ
__________________
(١) هو أبو الحسن أمين الدولة هبة الله بن صاعد ، المعروف بابن التلميذ. توفي سنة ٥٦٠ ه (أنوار الربيع ٢ / ٢٩٣).
(٢) ورد البيت في طبقات الأطباء / ٣٦٠ هكذا :
فلما أتاها الردى أهلكت |
|
بشمّ نسيم الهوا المستلذ |
(٣) قال في نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف (لابن زبارة الصنعاني) ٢ / ٩٦ (اللحية ، بضم اللام الثانية ، تصغير اللحية ، وهي مدينة مشهورة بتهامة اليمن. وجاء في معجم البلدان : حيّة ، بلفظ الحية من الحشرات : من مخاليف اليمن.