وحكى المسعودي (١) وغيره : أنّ الاسكندر لما ملك فارس واحتوى على ملكها وتزوّج بابنه ملكها سار نحو السند والهند ، ووطئ ملوكها ، وحمل إليه الهدايا والخراج ، وحاربه (فورك) (٢) وكان أعظم ملوكها ، وكانت له مع الاسكندر حروب ، وقتله الاسكندر مبارزة ، وبلغه أنّ في أقاصي أرض الهند ملكا ذا حكمة وسياسة ، وديانة وإنصاف للرعيّة ، وأنّه قد أتى عليه مئون من السنين ، وأنه ليس بأرض الهند من فلاسفتهم وحكمائهم مثله يقال له : كند ، وكان قاهرا لنفسه مميتا لصفاته من الشهوة والعصبية وغيرها ، حاملا لها على خلق كريم ، وأدب رائق. فكتب إليه كتابا يقول فيه : إذا أتاك كتابي هذا فإن كنت ماشيا فلا تلتفت ، وإن كنت قائما فلا تقعد حتى تصل إليّ وإلّا مزقت ملكك وألحقتك بمن مضى من ملوك الهند. فلما ورد عليه الكتاب أجاب الاسكندر بأحسن جواب ، وخاطبه بملك الملوك ، وأعلمه أنه اجتمع قبله (٣) أشياء لم يجتمع عند غيره مثلها. فمن ذلك ابنة لم تطلع الشمس على أحسن صورة منها ، وفيلسوف يخبرك بمرادك قبل أن تسأله ، وطبيب لا تخشى معه داء ولا شيء من العوارض إلّا ما يطرأ من الفناء والدثور الواقع بهذه البنية ، وحلّ العقدة التي عقدها المبدع لها ، والمخترع لهذا الجسم الحسّي المنصوب غرضا للحتوف والبلايا ، وقدح إذا ملأته شرب منه عسكرك جميعه ولا ينقض منه شيء. وأنا منفذ جميع ذلك إلى الملك وصائر إليه. فلما قرأ الاسكندر الكتاب أنفذ إليه جماعة من حكماء اليونانيين والروم ، وقال لهم : إن كان صادقا فيما كتب به فاحملوا ذلك إليّ ودعوا الرجل ، وإن تبينتم الأمر على خلاف ذلك ، وأنّه أخبر عن الشيء بخلافه فأشخصوه إليّ. فمضى القوم وأظهر لهم الجارية ، فلما رمقوها بأبصارهم فلم يقع طرف واحد منهم على عضو من أعضائها مما ظهر فأمكنه أن يتعدّى إلى غيره. فخاف القوم على عقولهم ، ثم رجعوا إلى أنفسهم وقهر سلطان هواهم. ثم أراهم بعد ذلك ما تقدّم الوعد به وصرفهم ،
__________________
(١) مروج الذهب ١ / ٢٩٣.
(٢) في مروج الذهب (فور).
(٣) في مروج الذهب (أنه اجتمع له قبله).