جبال عالية ، وأشجار عادية (١) ورجال جلوس ، وحدائد وسيوف منصوبة على ذلك الشجر ، وقطع من الخشب. فتأتيهم الهند من الممالك النائية والبلاد القاصية ، فيسمعون كلام أولئك الرجال المرتّبين على هذا النهر ما يقولون من تزهيدهم في هذا العالم ، والترغيب فيما سواه. ويطرحون أنفسهم من أعالي تلك الجبال العالية على تلك الأشجار العادية ، والسيوف والحدائد المنصوبة ، فيقطّعون قطعا ، ويصيرون إلى هذا النهر أجزاء.
قال : وهنالك شجر من إحدى عجائب العالم ونوادره. والغريب من شأنه أنّه يظهر في الأرض أغصانا مشتبكة من أحسن ما يكون من الشجر والورق ويستقيم في الجوّ كأبعد ما يكون من طوال النخل ، ثم [ينحني](٢) جميع ذلك منعكسا فيغوص في الأرض مندسّا ، ويهوي في قعرها سفلا على المقدار الذي ارتفع في الهواء ويسعى وينثني ما يغيب منه تحت الأرض ويتوارى تحت الثرى. فلولا أنّ الهند قد وكّلت بقطعه لطبّق على تلك البلاد ، وغشي تلك الأرض.
قال : والهند تعذّب أنفسها على ما وصفنا بأنواع العذاب ، وقد تيقّنت أنّ ما ينالها من النعيم في المستقبل مؤجلا ، هو ما أسلفته وعذبت أنفسها في هذه الدار معجلا.
فمنهم من يصير إلى باب الملك فيستأذن في إحراقه لنفسه. ثم يدور في الأسواق وقد أجّجت له النار العظيمة عليها من قد وكّل بإيقادها ، ثم يسير في الأسواق وقدّامه الطبول والصنوج وعلى [بدنه](٣) أنواع من خرق الحرير قد مزقها على نفسه وحوله أهله وقرابته ، وعلى رأسه اكليل من الريحان ، وقد قشر جلدة من رأسه وعليها الجمر ، وقد جعل عليها الكبريت والسندروس (٤) وهامته
__________________
(١) الأشجار العادية : القديمة ، والعظيمة.
(٢) في الأصول (يحنو) وما أثبته عن مروج الذهب ١ / ٢٠٩.
(٣) في الأصول (يديه) والمثبت عن مروج الذهب.
(٤) السندروس (بالكسر) : صمغ شجر أو معدن شبيه بالكهرب (أقرب الموارد).