وأوّل ، ذو الخطر السامي حسين بن شهاب الدين الشامي هو مع ما تحلّى به من الطبابة ، له في مراتب العلم أعظم بابه ، فقد طوى أديمه من الفضل على أغزر ديمه ، وأمّا الأدب فقد نسل إليه من كلّ حدب ، ومتى انفهقت لهاته بالشعر أرخص من عقود اللآلي كلّ غالي السعر. هذا إلى خلق في المجون تستنير به اللّيالي الجون ، جاعلا ذلك له شيمة ، يستلّ لها من القلوب كلّ سخيمة.
قدم علينا الهند سنة أربع وسبعين (١) فورد منهل أمله العذب المعين ، وكان الوالد كثيرا (٢) ما يشتاق إلى لقيانه ، لتحلي فرائده وعقيانه ، ولما بلغ خبر وصوله قلت لشوقه إليه وثنائه عليه :
جاء البشير مبشّرا |
|
فأقرّ من بشراه عيني |
وافى يقول أتى الحسين |
|
فقلت أهلا بالحسين |
أهو الّذي حاز المكارم |
|
والعلى ملء اليدين |
قالوا نعم هو ذاك من |
|
فاق الورى من غير مين (٣) |
وقد أثبت له ما يستحلى جناه ، وتستجلى حسناه ، فمن ذلك قوله وهو من غرر القصائد التي امتدح بها الوالد (٤) :
تبدّت لنا والبدر للغرب جانح |
|
وكأس الكرى في راحة الطّرف طافح |
بحيث السّها ترنو بعين كليلة |
|
وإنسانها في لجّة الجوّ سابح |
وحيث النجوم الزاهرات كأنّما |
|
توقّد منها في الظّلام مصابح |
كأنّ على الآفاق روض بنفسج |
|
وهنّ الظباء العيس فيها سوانح |
__________________
(١) وتوفي سنة ١٠٧٦ ه ـ ترجمته في أنوار الربيع ١ / ٥١.
(٢) ابتداء من هذا القوس إلى انتهاء الجملة التي ستختم بقوس آخر ـ وهي تشتمل على ثلاث قصائد ـ سقط من (ع) وسأشير إلى نهاية ذلك في موضعه.
(٣) في أ(هو ذاك بل فاق الورى).
(٤) القصيدة في سلافة العصر / ٣٥٤.