وما أحسن قوله بعد هذا البيت :
ومقلة ألفت فرط السّهاد فلو |
|
ردّ الرقاد عليها كاد يؤذيها |
ماذا على الطّير إذ أبلى الضّنى جسدي |
|
فخفّ لو حملتني في خوافيها |
إن يقعد الطّير عن حملي لكم وسرت |
|
ريح الصّبا فاطلبوني في مساريها |
تلقي لكم جسدا لو أنّ علّته |
|
يدعى المسيح لها ما كان يبريها |
لقد تضاءل حتّى لو قذفت به |
|
في مقلة ما أحسّته مآقيها |
قلت : هذا والله الشعر الخالص من الحشو ، الذي يأخذ بمجامع القلوب ، وتستشفّه الأسماع (١). وكانت وفاة الشاعر المذكور سنة ثمان وعشرين وألف بشيراز ، وله ديوان شعر أجاد فيه كلّ الإجادة ، وكان ذا بديهة قوية بارعا مفلقا ، مستحضرا لأشعار العرب وأخبارها.
ومن بديع قصائده التي تشهد له بقوة الملكة ، وقدرة التصرّف في المعاني والألفاظ : قصيدته الرائية المشهورة التي يصف فيها حاله وقد ضربته سمكة تعرف بالسبيطيّة في وجهه فشجته وهو عابر من قرية تسمى (مرّي) ـ بكسر الميم ، وتشديد الراء المهملة ، وبعدها ياء مثناة من تحت ـ إلى بحرين يقال لأحدهما (البلاد) ، وللآخر (توبلي) ـ بضم التاء المثناة من فوق ، وبعد الواو باء موحدة مكسورة ، وبعدها لام وياء مثنّاة من تحت ـ وكان صحبته ابنه حسان ، ولا بأس بإيرادها لحسنها وغرابتها ، على انّا لم نخرج عن ذكر البحر ، وهي :
برغم العوالي والمهنّدة البتر |
|
دماء أراقتها سبيطيّة البحر |
ألا قد جنى بحر البلاد وتوبلي |
|
عليّ بما ضاقت به ساحة البرّ |
فويل بني شنّ بن أفصى وما الذي |
|
رمتهم به أيدي الحوادث من وتر (٢) |
دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى |
|
على حدّ ناب للعدوّ ولا ظفر |
__________________
(١) يأتي في (ك) بعد كلمة الأسماع (وتحسوه العقول للنشو).
(٢) بنو شن بن أفصى بن عبد القيس : قبيلة الشاعر.