بن كدام أنّه قال : أن رجلا ركب البحر فانكسرت السفينة فوقع في جزيرة ، فمكث ثلاثة أيام لم ير أحدا ، ولم يأكل ولم يشرب فتمثل فقال :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي |
|
وصار القار كاللّبن الحليب (١) |
فأجابه صوت مجيب يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه |
|
يكون وراءه فرج قريب (٢) |
فنظر فإذا سفينة أقبلت ، فلوّح لهم فأتوه فحملوه فأصاب خيرا كثيرا.
كان شريح القاضي لا يقبل شهادة من ركب البحر ويقول : من لا يكون أمينا على نفسه لا يكون أمينا على غيره.
وفي الحديث : لا تركب البحر إلّا حاجا ، أو معتمرا ، أو غازيا في سبيل الله ، فإنّ تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا.
وأراد عمر بن الخطاب يغزو قوما على البحر ، فكتب إليه عمرو بن العاص وهو عامله على مصر : يا أمير المؤمنين إن البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير ، دود على عود. فقال عمر : لا يسألني الله عن أحد أحمله فيه.
امتنع حكيم من ركوب البحر فقيل له في ذلك فقال : إني لأكره أن أركب ما لا أملك عنانه ، ولا أضبط زمامه.
قيل لبعض التجار : ما أعجب ما رأيت في البحر؟ قال : سلامتي منه.
فائدة : إذا اضطرب البحر يتكئ الراكب على جانبه الأيمن ويقول : أسكن بسكينة الله. وقرّ بقرار الله ، واهدأ بإذن الله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
وروى ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : أمان لأمتي من الغرق إذا هم ركبوا السفن أن يقولوا : بسم الله الملك (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا
__________________
(١) ورد البيت في أما لي المرتضى ٢ / ٢٢١ بدون عزو ، وفيه (رجوت أهلي).
(٢) البيت لهدبة بن الخشرم المتوفى حوالي سنة (٥٠) ه (الأعلام ٩ / ٦٩) وهو من قصيدة ـ أوردها القالي في أماليه ١ / ٧٢ ، وابن الشجري في حماسته / ٢٢٧.