حيث قيل فيه (حين أسلو) فبنى (حين) المضافة إلى الجملة ، ولا يخفى أن هذا البيت المشار إليه بإنشاد ذينك البيتين صريح في ذكر محل الصبا ، إذ قيل فيه (نسيم الصبا من حيث يطّلع الفجر). فظهر المقصود ولله الحمد. انتهى.
رجع : ثم لم نزل نقاسي محن الغربة ، ونكابد إحن الكربة ، وقد طالت أيّام البين والنوى ، واضطرمت لواعج الوجد والجوى ، تتجرّع من كأس الاغتراب ما هو أمرّ من العلقم ، ونعاني من بأس الاكتئاب ما يهون عنده نهش الأرقم. إذا عنّ التذكّر لما مضى تزايدت آلام الحزن والأسى ، وإذا اعترض التفكر فيما حلّ به القضا ، قطعنا الأيّام بلعلّ وعسى. فواها لتلك الأعوام التي مضت كيف انقضت ، وآها من هذه الأيام. (التي برت كيف انبرت (١)).
وهكذا الدّهر ما زالّت نوائبه |
|
تقلّب المرء بين الصّفو والكدر |
ولقد كنت أبرز إلى تلك الحدائق الأنيقة ، وأتنقّل فيها من حديقة إلى حديقة ، لعلّي أجد بذلك سلوة عمّا أنا فيه ، وهيهات ما لمثلي وللتسلّي أنّي إذن لسفيه. فأعود وقد تضاعفت بواعث الهمّ والتذكار ، وترادفت نوابث الغمّ والأفكار.
وما ذات طوق في فروع أراكة |
|
لها رثّة تحت الدّجى وصدوح (٢) |
ترامت بها أيدي النّوى وتمكّنت |
|
بها فرقة من أهلها ونزوح |
فحلّت بزوراء العراق وزغبها |
|
بعسفان ثاو منهم وطليح |
نحنّ إليهم كلّما ذرّ شارق |
|
وتسجع في جنح الدّجى وتنوح |
إذا ذكرتهم هيّجت ذا بلابل |
|
وكادت بمكتوم الغرام تبوح |
بأبرح من وجدي لذكرى أحبّتي |
|
إذا لاح برق أو تنسّم ريح (٣) |
__________________
(١) في ك (التي مرت كيف انمرت).
(٢) الشعر لأبي منصور فخر الدين عيسى بن مودود صاحب تكريت المتوفى سنة ٥٨٤ ه (وفيات الأعيان ٣ / ١٦٦).
(٣) في وفيات الأعيان (بأبرح من وجدي لذكراكم متى ـ تألّق برق ...).