وفاته ، مولده بمصر في سنة ثلاث وست مائة ، وتوفي بها وقت العصر نهار الخميس سلخ ذي القعدة ، وصلى عليه يوم الجمعة قبل الصلاة ، ودفن بتربته بالقرافة الصغرى ـ رحمهالله ـ ومات وهو وزير ، كان من رجالة الدهر حزما وعزما ورأيا وتدبيرا ، تنقلت به الأحوال ، وتنقل في المناصب الجليلة ، وظهرت كفايته ودرايته وحسن تأتيه ، فاستوزره الملك الظاهر ـ رحمهالله ـ في أوائل دولته ، وفوض إليه أمور مملكته مما يتعلق بالأموال ، والولايات والعدل لا يعارض في ذلك ، ولا يشارك بل هو المتصل بأعباء ذلك ، والمرجع إليه فيه ، ولم يزل مستمرا على ذلك إلى حين وفاة الملك الظاهر ـ رحمهالله ـ فدبر الأمور أحسن تدبير ، وساس الأحوال في سائر المملكة ، وأخمل خلقا كثيرا ممن ناوءه وكان عنده حسن ظن بالفقراء والمشايخ ، يحسن إليهم ـ نفع الله بهم ـ ويقضي حوائجهم ، ويبالغ في إكرامهم ، وكان أرباب الحوائج يتوسلون بهم إليه فلا يرد لهم شفاعة ، حكي لي أن بعض الصلحاء المتورعين قدم القاهرة في أواخر شعبان فكلف الاجتماع به لسبب شخص مصادر ، فاجتمع به وحدثه في ذلك فأجابه ، ثم قال له : هذا شهر رمضان قد أقبل ، واشتهى أن تصومه هنا وتفطر عندي وأقضي لك في كل ليلة عشر حوائج كائنة ما كانت ، فنظر ذلك الرجل على ما يترتب في إجابته من المصالح فصام عنده شهر رمضان ، وأفطر عنده ، فوفى له بوعده ، وكان كل ليلة يقضي له عشر حوائج من إطلاق محبوس ، وولاية بطال ومسامحة من عليه ماله وهو عاجز عنه إلى غير ذلك ، وكان واسع الصدر لا يدري مقدار ما يلزمه من الكلف للأمراء والرؤساء ومن يلوذ بخدمته ، وأما عفته عن الأموال فإليها المنتهى لا يقبل لأحد هدية إلا أن يكون من المشائخ الصلحاء ، ويهدي له ما لا قيمة له يقبله تبركا ويبر الذي سيره إليه ، وقصده جماعة من أكابر الأمراء وغيرهم من أرباب الدولة ، فلم يبلغوا منه مقصودهم ، ولم يجدوا ما يتعلقوا عليه به ، ولما توفي الملك الظاهر استمر به ولده الملك السعيد ـ رحمهالله ـ وبالغ في إكرامه وإعظامه