ومحاسنه كثيرة ، ومكارمه غزيرة ، وتنقلت به الأحوال في عمره فتزهد ، وصحب المشايخ ، وانتفع بهم وأخذ عنهم ، واشتغل على العلماء وحصل ، وكان كثير البر بمن يصحبه من المشايخ ، لا يدخر عنهم شيئا ، وكانت همته عالية ، ونفسه ملوكية ، وعنده شجاعة واقدام ، وصبر على المكاره.
حكي لي أنه لما عاد العسكر من أنطاكية مع الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري رحمهالله في سنة ستين وستمائة ، كان المذكور في جملتهم ، وقد غرق أخوه شقيقه الملك الأفضل نور الدين علي رحمهالله ، في تلك السفرة فبينا هو يساير بعض الأمراء ، ويحدثه مر به إلى جانبه رجل يجر جنيبا فضربه ذلك الجنيب كسر رجله ، فلم يتأوه ولا قطع حديثه ، ولا ما كان فيه ، فلما امتلأ الخف بالدم أمر بعض من كان معه أن ينزل ويشق اسفل الخف ليذهب منه الدم ، وكان يتلقى جميع ما يرد عليه من الأمور المؤلمة بالرضا والتسليم ، وكان له عقيدة عظيمة في الفقراء والمشايخ ، وكان جميع أهل بيته يعظمونه ويعترفون بتقدمه عليهم ، حتى عم أبيه الملك الأمجد تقي الدين ابن العادل ، وكذلك سائر الأمراء وأرباب الدولة ، وله اليد الطولى في الترسل مع حسن الحظ ، وأنفق في عمره أموالا جمة معظمها في طاعة الله تعالى ، وكان مقتصدا في ملبوسه ومركوبه ، وما يتعلق بنفسه مسرفا في فعل الخير وبر الإخوان رحمهالله تزوج ابنة عم أبيه الملك العزيز عثمان ابن العادل ، ثم تزوج ابنة الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمهمالله ، وهي أخت الملك الناصر وأولدها ولدا سماه صلاح الدين محمود ، وهو باق ، وكان عنده من الكتب النفيسة ما لا يوجد عند غيره ، فوهب معظمها لأصحابه وإخوانه ، وسمع الكثير ، وحصل الفوائد ، وكان مقصدا لمن يقصده ، يقوم معه بنفسه وماله وجاهه ، لا يستحيل على أصحابه ، ولا يتغير عن مودتهم ، وإن تغيروا ، واسطة عقد بيتهم رحمهالله تعالى ، وكانت وفاته