سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
كان بكجور قد خاف من عيسى بن نسطورس الوزير المقدم ذكره أن يعمل عليه لأسباب تقدمت بينه وبينه أوجبت ذاك ، فكتب إلى العزيز يذكر له جلالة حلب وكثرة ارتفاعها وأنها دهليز العراق ، وإذا حصلت له كان ما بعدها في يده ، وأن العسكر الذي بها قد كاتبه وبذل الطاعة له والمساعدة ، ويستدعي منه الانجاز والمعونة ، فأجابه لكل ما أراد ، وكتب إلى نزال والي طرابلس بالمسير إليه متى استدعاه من غير استئذان ولا معاودة استئمار ، وكان نزال هذا من وجوه قواده ، وصنائع عيسى الوزير وخلاصه ، فكتب إليه عيسى سرا بأن «تتقاعد ببكجور ، وتظهر له المساعدة والمسارعة وتستعمل معه التعليل والمدافعة ، فإذا تورط مع مولاه وقاربه تأخر عنه وأسلمه» فلم يشك بكجور في مسير نزال إليه وسار عن الرقة ، وكتب إلى نزال بأن يسير من طرابلس ليكون وصولهما إلى ظاهر حلب في وقت واحد ، فأجابه نزال ووعده ، ونزل بكجور على بالس (١) وفيها غلمان سعد الدولة أبي المعالي صاحب حلب وعدة من الديلم ، فقاتلهم ورحل بكجور ، وتباطأ نزال في مسيره وواصل مكاتبة بكجور في منزل بعد منزل وقرب الأمر عليه في وصوله إليه ، وأقام بكجور على بالس خمسة أيام ، فلما لم يجد فيها مغمزا فارقها وطلب حلب ، وكان أبو المعالي كاتب بسيل (٢) عظيم الروم وأعلمه عصيان بكجور (٢٥ ظ) عليه ، وسأله مكاتبة البرجي صاحبه بأنطاكية بالمسير إليه متى دعته حاجة إلى انجاده ومعونته ، فكاتب عظيم الروم بذاك ، وأكد القول عليه ، فلما وافى بكجور ، كاتب سعد الدولة البرجي ، فرحل ونزل مرج دابق وهو على فرسخين من حلب ، ووصل بكجور إلى النقرة ونزل في ناحية تعرف بالناعورة ، وامتد عسكره إلى تل أعرن ومنها إلى حلب أربعة فراسخ ، وبرز
__________________
(١) هي مسكنة الحالية في سورية على الفرات.
(٢) باسيل الثاني امبراطور بيزنطة ، نفذ بشكل كامل سياسة امبراطوريته تجاه حلب ، فقد أراد من حلب أن تكون دولة حاجزة بينه وبين الخلافة الفاطمية وسوقا تجاريا مفتوحا ، لذلك خف إلى حمايتها شخصيا أو بارسال قواته كلما تهددت من قبل الفاطميين.