البندق؟ قال : نعم فقبل المعظم قدمه ، ونام الأشرف ، فخرج المعظم من الخيمة كالأسد الضاري يصيح : الرحيل ، الرحيل إلى دمياط ، وما كان يظن أن الأشرف يسمح بذلك ، وساق المعظم إلى دمشق ، وتبعته العساكر ، ونام الأشرف في خيمته إلى الظهر وانتبه ، فدخل الحمام ، فلم ير حول خيمته أحدا ، فقال : وأين العساكر؟ فأخبروه الخبر ، فسكت وساق إلى دمشق ، ونزل القصير يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى ، فأقام إلى سلخ جمادى ، وعرض العساكر تحت قلعة دمشق ، وكان هو وأخوه المعظم في الطيارة في القلعة ، وساروا إلى مصر غرة جمادى الآخرة.
وأما الفرنج فإنهم خرجوا بالفارس والراجل ، وكان البحر زائدا جدا فجاؤوا إلى ترعة فأرسوا إليها ، وفتح المسلمون عليهم الترع من كل مكان فأحدقت بهم عساكر الكامل ، فلم يبق لهم وصول إلى دمياط ، وجاء أسطول المسلمين فأخذوا مراكبهم ، ومنعوهم أن يصل إليهم ميرة من دمياط وكانوا خلقا عظيما وانقطعت أخبارهم عن دمياط وكان فيهم مائة كند وثماني مائة من الخيالة المعروفين وملك عكا والدوك واللوكان نائب البابا ، ومن الرجالة ما لا يحصى ، فلما عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الكامل يطلبون الصلح والرهائن ويسلمون دمياط ، فمن حرص الكامل على خلاط دمياط أجابهم ، ولو أقاموا يومين أخذوا برقابهم ، فبعث إليهم الكامل ابنه الصالح أيوب ، وابن أخيه شمس الملوك وجاء ملوكهم إلى المنصورة في ثالث رجب ، فجلس الكامل مجلسا عظيما ، أحضر ملوك الفرنج ، والخيالة ، ووقف : المعظم ، والأشرف ، والملوك في خدمته وقام الحلي الشاعر فأنشد :
هنيئا فإن السعد راح مخلدا |
|
وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا |
حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا |
|
مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا |
تهلل وجه الدهر بعد قطوبه |
|
وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا |
ولما طغا البحر الخضم بأهله |
|
طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا |