وفي ذي القعدة من
سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وردت الأخبار بخلع المطيع لله واستخلاف ولده الطائع لله
عند اشتداد الفتنة بين الديلم والأتراك ، وأقام على هذه (١٢ و) الحال برهة خفيفة ،
ثم ثارت الفتنة واتصلت الحوادث ، وزاد الأمر في ذلك إلى حد أوجب للحاجب ألفتكين
الانفصال عن بغداد في فرقة وافرة من الأتراك تناهز ثلاثمائة فارس من طراخين الغلمان ، ووصل أولا إلى ناحية حمص للأسباب التي أوجبت ذلك
ودعت ، فأقام بها أياما قلائل ، وسار منها إلى دمشق والأحداث بها على الحال المقدم
شرحهما في تملكها والغلبة عليها والتحكم فيها ، فنزل بظاهرها ، وخرج إليه شيوخها
وأشرافها وخدموه وأظهروا السرور به ، وسألوه الإقامة عندهم ، والنظر في أحوالهم ،
وكف الأحداث الذين بينهم ، ودفع الأذية المتوجهة عليهم منهم ، فأجابهم إلى ذلك بعد
أن توثق منهم وتوثقوا منه بالأيمان المؤكدة والمواثيق المشددة على الطاعة
والمساعدة ، ودخل البلد وأحسن السيرة وقمع أهل الفساد وأذل عصب ذوي العيث والعناد
، وقامت له هيبة في الصدور ، وصلح به ما كان فاسدا من الأمور ، وكانت العرب قد
استولت على سواد البلد وما يتصل به ، فقصدهم وأوقع بهم ، وقتل كثيرا منهم ، وظهر
لهم من شجاعته وشهامته وقوة نفس من في جهته وجملته ما دعاهم إلى الاذعان بطاعته
والنزول على حكمه ، والعمل بإشارته وأمر بتقرير إمضاء الاقطاعات القديمة ، وارتجاع
ما سوى ذلك ، وأحسن التدبير والسياسة في ترتيب العمال في الأعمال ، وأنعم النظر في
أبواب المال ووجوه الاستغلال ، فاستقام له الأمر ، وثبت قدمه في الولاية ، وسكن
أهل دمشق إلى نظره.
وكاتب المعز
مكاتبة على سبيل المداجاة والمغالطة والمدامجة والتمويه والانقياد له والطاعة
لأمره ، فأجابه بالاحماد له والارتضاء بمذهبه ، والاستدعاء له إلى حضرته ، ليشاهده
ويصطفيه لنفسه ، ويعيده إلى ولايته
__________________