إلى مكانه ، ولم تزل الحال مستمرة من العسكر النوري على إهمال الزحف إلى البلد ، ومحاربة من فيه إشفاقا من قتل النفوس ، وإثخان الجراح في مقاتلة الجهتين ، بحيث انطلقت أيدي المفسدين من الفريقين في الفساد ، وحصد زراعات المرج والغوطة ، وضواحي البلد ، وخراب مساكن القرى ، ونقل أنقاضها إلى البلد والعسكر ، وزاد الأضرار بأربابها من التناء والفلاحين وتزايد طمع الرعاع والأوباش في التناهي في الفساد بلا رادع لهم ولا مانع وعدم التبن لعلف الكراع في جميع الجهات وارتفع السعر وعظم (١٧٠ و) الخطب وصعب الأمر ، والأخبار تتناصر باحتشاد الأفرنج واجتماعهم للإنجاد لأهل دمشق والإسعاد ، وقد ضاقت صدور أهل الدين والصلاح ، وزاد إنكارهم لمثل هذه الأحوال المنكرة والأسباب المستبشعة ، ولم تزل الحال على هذه القضية المكروهة ، والمناوشات في كل يوم متصلة من غير مزاحفة ولا محاربة إلى يوم الخميس الثالث عشر من صفر من السنة.
ثم رحل العسكر النوري من هذه المنازل ونزل في أراضي فذايا وحلقبلتين والخامسين (١) المصاقبة للبلد ، وما عرف في قديم الزمان من أقدم من الجيوش على الدنو منها ، ونشبت المطاردة في اليوم المذكور ، وكثر الجراح في خيالة البلد ورجالته ، وملك مواشي الفلاحين والضعفاء ودواب المتعلقة من البلد ، وما يخص فلاحي الغوطة والمرج والضواحي ، ثم رحل في يوم الخميس لعشر بقين من صفر عائدا إلى ناحية داريا ، لتواصل الأرجاف بقرب عسكر الأفرنج من البلد للإنجاد ، ليكون قريبا من معابرهم لقوة العزائم على لقائهم ، والاستعداد لحربهم ، لأن العسكر النوري قد صار في عدد لا يحصى كثرة ، وقوة ، وفي كل يوم زيادة بما يتواصل من الجهات وطوائف التركمان ، ونور الدين مع هذه الحال لا
__________________
(١) مناطق مصاقبة لدمشق حول طريق مطار دمشق الدولي الآن ، فموقع فذايا جنوب مقبرة اليهود الحالية ، وضبط كرد علي «حلقبلتين» «حلفبلتا» وهي مجاورة لفذايا وضبط «الخامسين» «الخامس» انظر غوطة دمشق : ٢٣٩ ـ ٢٤١.