حول دار ابن طغج وما يليها إلى قصر عاتكة (١) وسوق الجعفري والحوانيت ، والتقت على قصر (٢) حجاج ، وأشرق الصبح وقد خلا المكان واجتمع قوم في تلك الليلة من حجر الذهب والفسقار (٣) والنواحي المعروفة بباب الحديد ، وعملوا على المحاربة عن الدروب والأزقة وأبواب الدور ، فما لاح الصباح بضيائه إلا وقد بنوا حائط باب الحديد ، وسدوا الباب وأتى الله بالفرج.
وقد كانت المغاربة في تلك الليلة في لهو ولعب وزفن (٤) وفرح وسرور بأخذ البلد من عدوهم ، ينظرون إلى النار تعمل في جنباته ، وقد أتت عليه ، فلما أصبحوا انحدر العسكر من الدكة يريد البلد ، وكان الناس قد غدوا إلى الميدان ، وصعدوا السطح ينظرون نزول العسكر ، وقد حارت عقول كثير من الناس من الخوف ، فلما نظرت الدبادبة من كان على السطح ، انحدر العسكر ، وقد علت الأصوات بالنفير ، فلما سمع الناس النفير بادروا الخروج بالسلاح التام ، وعدد الحرب وآلاتها وخرج قوم بمثل حربة (٩ ظ) وعصا وفاس وكساء مقلاع ، وحمر عليها حجارة ، واشتد الناس في القتال ، ونزل القائد أبو محمود في عسكره ، فضرب في الميدان خيمة وأصبح الناس في شدة عظيمة ، وبلية هائلة [واجتمع الأشراف](٥) وظهروا من البلد ، وقد تبعهم الخلق الكثير من الأخيار والمستورين يطلبون من الله تعالى الفرج ، فلما قربوا من عسكر المغاربة صاح نفر منهم ، فنفرت من الصياح خيل هناك ، فقيل لهم :
__________________
(١) من أحياء دمشق الآن خارج باب الجابية يطلق عليه الآن «قبر عاتكة». غوطة دمشق : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.
(٢) محلة كبيرة في ظاهر باب الجابية نسبت إلى الحجاج بن عبد الملك بن مروان. غوطة دمشق : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٣) من المعتقد أنه سوق مدحت باشا الحالي. الأعلاق الخطيرة ـ قسم دمشق : ٩٣.
(٤) الزفن : اللعب والدفع. النهاية لابن الأثير.
(٥) من المقدر وجود سقط بالأصل ، ولعل ما أثبت بين الحاصرتين فيه تقويم وايضاح.