من سلطان مصر إلى ثغر عسقلان ، وقرىء على منبرها ومضمونه : بسم الله الرحمن الرحيم (١) ..
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال سنة اثنتين وأربعين ، وهو مستهل نيسان ، أظلم الجو ، ونزل غيث ساكن ، ثم أظلمت الأرض في وقت صلاة العصر ظلاما شديدا ، بحيث كان ذلك كالغدوة بين العشائين ، وبقيت السماء في عين الناظر إليها كصفورة الورس ، وكذلك الجبال وأشجار الغوطة ، وكل ما ينظر إليه من حيوان وجماد ونبات ، ثم جاء في إثر ذلك من الرعد القاصف والبرق الخاطف ، والهدات المزعجة والزحفات المفزعة ما ارتاع لها الشيب والشبان ، فكيف الولدان والنسوان ، وقلقت لذلك الخيول في مرابطها ، وأجفلت من هولها ، وبقي الأمر على هذه الحال إلى حين وقت العشاء الآخرة ، ثم سكن ذلك بقدرة الله تعالى ، وأصبح الناس غد ذلك اليوم ينظرون في أعقاب ذلك المطر ، فإذا على الأرض والأشجار وسائر النبات غبار في رقة الهواء ، بين البياض والغبرة بحيث يكون إذا جرد عنها الشيء الكثير ، ويلوح فيه بريق لا يدرى ما لونه ولا جسمه من نعومته ، فعجب الناس من هذه القدرة التي لا يعلم ما أصلها ، ولا شبيه لها ، بل نزلت في جملة المطر ، ممتزجة به كامتزاج الماء بالماء ، والهواء بالهواء.
وفي هذه السنة تواصلت الأخبار من ناحية القسطنطينية ، وبلاد الأفرنج والروم وما والاها ، بظهور ملوك الأفرنج من بلادهم منهم ألمان والفنش ، وجماعة من كبارهم في العدد الذي لا يحصر ، والعدد التي لا تحرز ، لقصد بلاد الإسلام ، بعد أن نادوا في سائر بلادهم ومعاقلهم بالنفير إليها ، والإسراع نحوها ، وتخلية بلادهم وأعمالهم خالية ، شاغرة من حماتها ، والحفظة لها ، واستصبحوا من أموالهم وذخائرهم وعددهم
__________________
(١) لم يثبت نص السجل ، وتحدث المقريزي عن مقتل رضوان بالتفصيل ، ولم يذكر نص السجل المشار إليه. اتعاظ الحنفا : ٣ / ١٨٢ ـ ١٨٤.