وفي ذي الحجة منها وردت الأخبار بوصول عسكر وافر من التركمان إلى ناحية الشمال ، وأنهم غاروا على طرابلس ، وأعمالها من معاقل الأفرنج ، فظفروا بخلق كثير منهم قتلا وأسرا ، وحصل لهم من الغنائم والدواب الشيء الكثير ، وأن صاحب طرابلس بنص طلولا بن (١) بدران الصنجيلي خرج إليهم فيمن حشده من أعماله ، ولقي عسكر التركمان فكسروه ، وأظفرهم الله بحشده المفلول ، وجمعه المخذول ، وقتل أكثر رجاله وجل حماته وأبطاله ، وانهزم في نفر قليل من [أصحابه إلى](٢) الحصن المعروف ببعرين (٣) ، فالتجأوا إليه ، وتحصنوا به ، ونزل عسكر الأتراك عليه ، وأقاموا محاصرين له أياما كثيرة ، حتى نفد ما فيه من القوت (١٣٢ و) والماء بحيث هلك منهم ، ومن خيلهم الأكثر ، فأعملوا الحيلة ، واستغنموا الغفلة ، وانتهزوا الفرصة ، وخرجوا في تقدير عشرين ، مع المقدم ، فنجوا ووصلوا إلى طرابلس ، وكاتب ملك بنص طلولا صاحبها ، ملك الأفرنج بعكا يستصرخ به وبمن في أعماله ، ويبعثهم على نصرته ، فاجتمع إليه من الأفرنج خلق كثير ، ونهضوا إلى التركمان لترحيلهم عن حصن بعرين ، واستنقاذ من بقي فيه منهم ، فلما عرفوا عزمهم وقصدهم ، زحفوا إلى لقائهم فقتلوا منهم جمعا كثيرا ، وأشرف التركمان على الظفر بهم والنكاية فيهم ، لولا أنهم اندفعوا إلى ناحية رفنية ، فاتصل بهم رحيلهم عنها ، وعودهم على طريق الساحل ، فشق ذلك عليهم ، وأسفوا على ما فاتهم من غنائمهم ، وتفرقوا في أعمالهم.
وفي هذه السنة ، عرض لكريم الملك أبي الفضل أحمد بن عبد الرزاق ، وزير شمس الملوك ، مرض حاد ، لم يزل به إلى أن توفي إلى رحمة الله في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة منها ، فحزن له الناس وتفجعوا
__________________
(١) هو بونز بن برتران ـ انظر طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي : ١٥١.
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق ، انظر الكامل لابن الأثير : ٨ / ٢٤١.
(٣) بعرين الآن إحدى قرى محافظة حماة ، تابعة لمنطقة مصياف ، وهي تبعد عن مدينة حماة / ٤٢ كم / وعن بلدة مصياف / ١٧ كم /. التقسيمات الإدارية في الجمهورية العربية السورية : ١٤٤.