وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(١) وأمرناه أن يسير فيمن قبله من الأولياء والحشم أجمل سيرة ، ويحملهم بحسن السياسة على أفضل وتيرة ، ويسلكهم مسلكا وسطا بين اللين والخشونة ، والسهولة والوعورة ، ويشعر قلوبهم من الهيبة ما يقبض المتبسط ، ويردع المتسلط ، ويرد غرب الجامع ، ويقيم صعر الجانح ، ويخص منهم ذوي الرأي والحنكة والثبات والمسكة بالمشاورة والمباحثة ، ويستخلص نخائل صدورهم ، عند طروق الحوادث بالمفاوضة والمنافثة (٢) ، ويستعين بثمار ألبابهم ، ونتائج أفكارهم على دفاع الملم ، وكفاية المهم ، ويتناول سفهاءهم وذوي العيث والفساد منهم بالتقويم والتهذيب ، والتعريك والتأديب ، ويردهم عن غلوائهم بالقول ما كفى ، وإحراز النصح ما أجدى وأغنى ، ومن زاده الأناة والحلم والاحتمال والكظم تماديا في العدوان ، وتتابعا في الطغيان عركه عرك الأديم ، وتجاوز به حد التقويم إلى التحطيم ، متيقنا أن إعطاء كل طبقة ممن تشمله رعايته ، وتكنفه إيالته حقها من قوانين السياسة إرهاقا لبصيرة القارح المتماسك وكفا لغرب الحرج المتهالك ، قال الله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)(٣).
وأمرناه أن يوكل بأمر الثغور المتاخمة لأعماله والمصاقبة لبلاده عينا كالئة ، وأذنا واعية ، وهمة للصغير والكبير في مصالحها مراعية ، فيشحنها بذوي البأس والنجدة المذكورين بالبسالة والشدة المعروفين بالصريمة والغناء ، والصبر عند اللقاء ، والبصيرة بمكابدة الأعداء ، ويستظهر لهم باستجادة الأسلحة والآلات والاستكثار من المير والأقوات ، ويناوب بينهم في مقارهم ، مناوبة تجم المكدود ، وتريح المجهود ، وتدر عليهم
__________________
(١) القرآن الكريم ـ الأنفال : ٢٩.
(٢) نفث : أوحى وألقى. النهاية لابن الأثير.
(٣) القرآن الكريم ـ الأنفال : ٥٨.