فوصل إليه في النصف من شهر رمضان من السنة ، فلقيه أتابك بما يجب لمثله من تعظيم مقدمه ، وإجلال محله ، وأدخله إلى قلعة دمشق ، وأجلسه في دست عمه شمس الملوك دقاق بن تاج الدولة ، وقام هو والخواص في خدمته ، وحمل إليه ما أمكن حمله من تحف وألطاف تصلح لمثله ، وكذلك لجميع من وصل في صحبته ، وأقام أياما على هذه الحال ، وتوجه عائدا إلى حلب في أول شوال من السنة ومعه ظهير الدين أتابك في أكثر عسكره ، ووصل إلى حلب ، وأقام أياما ، وأشار عليه قوم من أصحابه بالقبض على جماعة من أعيان عسكره ، وعلى وزيره أبي الفضل بن الموصول ، وكان حميد الطريقة مشهورا بفعل الخير ، وتجنب الشر ، ففعل ذلك ، واستخلص ظهير الدين أتابك من جملتهم الأمير كمشتكين البعلبكي مقدم عسكره ، وخالف ما في نفس أتابك من صائب الرأي ، ومحمود التدبير ، فحين شاهد الأمر على غير السداد والصواب ، وبان له فساد التدبير ، واختلال التقدير ، رأى أن الانكفاء إلى دمشق أصوب ما قصد ، وأحسم ما أعتمد ، وفي صحبته والدة الملك رضوان لرغبتها في ذلك ، وإيثارها له (١).
ولما حصل في دمشق اتصلت المراسلة بينه وبين بغدوين ملك الأفرنج في إيقاع المهادنة والموادعة والمسالمة ، لتعمر الأعمال بعد الإخراب ، وتأمن (١٠٤ ظ) السوابل من شر المفسدين والخراب ، فاستقرت هذه الحال بينهما ، واستحلف كل منهما صاحبه على الثبات والوفاء وإخلاص المودة والصفاء ، وأمنت المسالك والأعمال ، وصلحت الأحوال وتوفر الاستغلال.
وفي هذه السنة ورد الخبر من شيزر بأن جماعة من الباطنية من أهل أفامية وسرمين ومعرة النعمان (ومعرة) مصرين في فصح النصارى ، وثبوا في حصن شيزر على غفلة من أهله في مائة راجل ، فملكوه
__________________
(١) انظر زبدة الحلب : ٢ / ١٦٧ ـ ١٧١.