القتال عليه ،
وملكه بالسيف قهرا ، وقتل من كان فيه قسرا ، وشرع الأفرنج في عمل برجي خشب للزحف
بهما إلى سور صور ، وزحف ظهير الدين إليهم عدة دفعات ليشغلهم بحيث يخرج (٩٧ ظ)
عسكر صور فيحرق البرجين ، وعرف الأفرنج قصده في ذلك ، وخندقوا عليهم من جميع
الجهات ، ورتبوا على الخندق الرجال بالسلاح لحفظه ، وحفظ الأبراج ، ولم يحفلوا بما
يفعل وما يجري على أعمالهم من الغارات عليها ، والفتك بمن فيها ، وهجم الشتاء فلم
يضر بالأفرنج لأنهم كانوا نزولا في أرض رملة صلبة ، والأتراك بالضد من ذلك قد
كابدوا من مقامهم شدة عظيمة ، ومشقة مؤلمة ، إلا أنهم لا يخلون من غارة وفائدة ،
وقطع ميرة عن الأفرنج ومادة ، وأخذ ما يحمل إليهم.
وقطع الأتراك
الجسر الذي كان يعبر عليه إلى صيدا لتقطع المادة أيضا عنهم فعدلوا عند ذلك إلى
استدعاء الميرة في البحر من جميع الجهات ، ففطن ظهير الدين لذلك ، ونهض في فريق من
العسكر إلى ناحية صيدا ، وغار على ظاهرها ، فقتل جماعة من البحرية ، وأحرق تقدير
عشرين مركبا على الشط ، وهو مع ذلك لا يهمل إصدار الكتب إلى أهل صور بتقوية قلوبهم
، وتحريضهم على استعمال المصابرة للأفرنج ، والجد في قتالهم.
وتم عمل البرجين
وكباشهما التي تكون فيهما في تقدير خمسة وسبعين يوما ، وشرع في تقديمهما ، والزحف
بهما في عاشر شعبان ، وقربا من سور البلد ، واشتد القتال عليهما ، وكان طول البرج
الصغير منهما نيفا وأربعين ذراعا ، والكبير يزيد على الخمسين ذراعا.
ولما كان أول شهر
رمضان خرج أهل صور من الأبراج بالنفط والحطب والقطران وآلة الحرق ، فلم يتمكنوا من
الوصول إلى شيء منهما ، فألقوا النار قريبا من البرج الصغير بحيث لم يتمكن الأفرنج
من دفعها فهبت ريح ، وألقت النار على البرج الصغير ، فاحترق بعد المحاربة الشديدة
عليه ، والمكافحة العظيمة عنه ، ونهب منه زرديات كثيرة