المعاقل والحصون بالشام والساحل ، والفتك في المسلمين ، ومضايقة ثغر طرابلس ، والاستغاثة إليه ، والاستصراخ والحض على تدراك الناس بالمعونة ، فندب السلطان لما عرف هذه الحال الأمير جاولي سقاوه ، وأمير من مقدمي عسكره كبيرا في عسكر كثيف من الأتراك ، وكتب إلى بغداد ، وإلى الأمير سيف الدولة صدقة بن مزيد ، وإلى جكرمش صاحب الموصل بتقويته بالمال والرجال على الجهاد ، والمبالغة في إسعاده وإنجاده ، وأقطعه الرحبة وما على الفرات ، فثقل أمره على المكاتبين ، فدافعه ابن مزيد ، وسار نحو الموصل يلتمس من جكرمش ما وقع به عليه ، فتوقف عنه فنزل (٨٥ و) على قلعة السن (١) ونهبها ، واجتمع إليه خلق كثير ، وخرج جكرمش إلى لقائه فظفر به جاولي سقاوه واستباح عسكره ، وانهزم ولده إلى الموصل ، فضبطها ، وتوجه وراءه ، وقتل جكرمش أباه ، وأنفذ رأسه إلى الموصل ، فلما عرف ولده ذاك كاتب قلج أرسلان بن قتلمش يستنجده من ملطية ، ويبذل له تسليم البلاد والأعمال التي في يده إليه ، وكان جكرمش قد جمع مالا عظيما من الجزيرة والموصل ، وكان جميل السيرة ، (٢) في الرعية ، عادلا في ولايته ، مشهورا بالانصاف في أعمال إيالته ، فلما عرف قلج أرسلان بن سليمان ما كتب به إليه ولد جكرمش ، أجابه إلى ملتمسه ، وسار نحوه في عسكره ، ووصل إلى نصيبين ، واستدعى ابن جكرمش من الموصل ، فسار إليه ، ودخل قلج أرسلان إلى نصيبين ، لأنه كان في بعض عسكره وباقيه في بلاد الروم لإنجاد ملك القسطنطينية على الأفرنج ، ولما تقارب عسكر قلج من عسكر جاولي سقاوه ، والتقت طلائع الفريقين ظفر قوم من أصحاب قلج بقوم من أصحاب جاولي فقتلوا بعضا ، وأسروا بعضا ، فرحل جاولي
__________________
(١) السن بليدة على دجلة في أعلى تكريت ، عندها يصب الزاب الأصغر إلى دجلة.
تقويم البلدان : ٢٨٨ ـ ٢٨٩.
(٢) في الأصل «الصورة» وهي تصحيف صحح من مرآة الزمان حيث ينقل رواية ابن القلانسي هذه ـ أخبار سنة ـ ٥٠٠ ه.