لظهير الدين أتابك ، وتفرد بالأمر ، واستبد بالرأي ، وحسنت أحوال دمشق وأعمالها بأيالته ، وعمرت بجميل سياسته ، وقضى الله تعالى بوفاة تتش ولد الملك شمس الملوك دقاق المقدم ذكره في هذه الأيام واتفق أن الأسعار رخصت ، والغلات ظهرت ، وانبسطت الرعية في عمارة الأملاك في باطن دمشق ، وظاهرها لإحسان سيرته وإجمال معاملته ، وبث العدل فيهم ، وكف أسباب الظلم عنهم.
وفي هذه السنة ورد الخبر من ناحية طرابلس بظهور فخر الملك ابن عمار ، صاحبها في عسكره وأهل البلد ، وقصدهم الحصن الذي بناه صنجيل عليهم (١) وأنهم هجموا عليه على غرة ممن فيه ، فقتل من به ونهب ما فيه ، وأحرق ، وأخرب ، وأخذ منه السلاح والمال والديباج والفضة الشيء الكثير ، وعاد إلى طرابلس سالما غانما ، في التاسع عشر من ذي الحجة ، وقيل ان بيمند صاحب أنطاكية ركب في البحر ، ومضى إلى الأفرنج يستصرخهم ، ويستنجد بهم على المسلمين في الشام ، وأقام مدة ، وعاد منهم منكفئا إلى أنطاكية.
سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
فيها عرض لظهير الدين أتابك مرض اشتد به ، ولازمه ، وخاف منه على نفسه ، وأشفق على أهله وولده وأصحابه ورعيته إن تم عليه أمر ، وتواصلت مكاتبات فخر الملك ابن عمار (٧٩ ظ) ورسله من طرابلس بالاستصراخ والاستنجاد على الأفرنج النازلين عليها ، والبعث على تعجيل إعانته بمن يصل إليه من العساكر ، لكشف غمته ، وتفريج كربته ، وقد كان الأمير سكمان بن أرتق ، والأمير جكرمش صاحب الموصل ، قد اتفقا على الجهاد في المشركين ، ونصرة المسلمين ، فنتج لظهير الدين فكرة ، ورأى (٢) فيما نزل به من المرض المخوف أن يرسل [إلى] الأمير سكمان بن
__________________
(١) أقيم هذا الحصن على تلة أبي سمرة الحالية الواقعة على الضفة اليسرى من نهر قاديشا ، وهي التي كانت تعرف بتلة الحجاج. طرابلس الشام في التاريخ الاسلامي : ٩٥ ـ ٩٦.
(٢) في الأصل : «ورأيه» وهي تصحيف صوابه ما أثبتنا بناء على رواية سبط ابن الجوزي.