بحر القسطنطينية ، في عالم لا يحصى عدده كثرة ، وتتابعت الأنباء بذلك ، فقلق الناس لسماعها وانزعجوا لاشتهارها ، وصحت الأخبار بذاك عند الملك (قلج أرسلان بن) سليمان بن قتلمش وكان أقربهم إليهم دارا ، فشرع في الجمع والاحتشاد ، وإقامة مفروض الجهاد ، واستدعى من أمكنة من التركمان للاسعاد عليهم والانجاد ، فوافاه منهم مع عسكر أخيه العدد الكثير ، وقويت بذاك نفسه ، واشتدت شوكته فزحف إلى معابرهم ومسالكهم وسبلهم (٧٣ و) فأوقع بكل من ظفر به منهم ، بحيث قتل خلقا كثيرا ، وعادوا إليه ، واستظهروا عليه ، وكسروا عسكره ، فقتلوا منهم وأسروا ونهبوا وسبوا ، وانهزم التركمان بعد أن أخذ أكثر دوابهم ، واشترى ملك الروم من السبي خلقا كثيرا ، وحملهم إلى القسطنطينية ، وتواصلت الأخبار بهذه النوبة المستبشعة في حق الاسلام ، فعظم القلق ، وزاد الخوف والفرق ، وكانت هذه الوقعة لعشر بقين من رجب.
وفي النصف من شعبان توجه الأمير يغي سغان صاحب أنطاكية والأمير سكمان بن أرتق والأمير كربوقا في العسكر إلى أنطاكية ، وقد وردت الأخبار بقرب الأفرنج منها ، ونزولهم البلانة (١) وخف يغي سغان إلى أنطاكية ، وسير ولده إلى دمشق إلى الملك دقاق ، وإلى جناح الدولة بحمص ، وإلى سائر البلاد والأطراف بالاستصراخ والاستنجاد ، والبعث على الخفوف إلى الجهاد ، وقصد تحصين أنطاكية ، وإخراج النصارى منها.
وفي اليوم الثاني من شوال نزلت عساكر الأفرنج على بغراس وأغاروا (٢) على أعمال أنطاكية ، فعند ذلك عصى من كان في الحصون والمعاقل المجاورة لأنطاكية (٣) ، وقتلوا من كان فيها وهرب من هرب
__________________
(١) كذا في الأصل ولم أجدها في المظان الجغرافية وسواها.
(٢) كذا بالأصل ، والأصح «وأغارت».
(٣) كثيرون من سكان المنطقة كانوا من غير المسلمين ، من الأرمن.