وبرز السلطان بركيارق من أصفهان في العسكر ، وقصد جهة عمه السلطان تاج الدولة ، وخاف تاج الدولة من أهل الري أن يخامروا عليه إن أقام ، فرحل عنها ، ونزل في منزله على أربعة فراسخ منها ، ووصل السلطان بركيارق في عساكره وخيم بإزاءه ، وحالت بينهما طوالع الفريقين ، وتأهب كل منهما للقاء صاحبه ، ورتبت المصافات للحرب ، والتقى الفريقان في اليوم السابع عشر من صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، فانفل ، عسكر السلطان تاج الدولة ، وتفرق ونهب سواده وأثقاله ، وأسر أكثره ، وقتل منه الخلق الكثير واستشهد تاج الدولة رحمهالله في الجملة ، وقتله (١) بعض أصحاب قسيم الدولة آق سنقر ، صاحب حلب ، بعد اصطناعه إياه وتقريبه له ، وحمل رأسه وطيف به في العسكر ، ثم حمل إلى بغداد ، وطيف به فيها.
سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
فيها ورد الخبر إلى الملك فخر الملوك رضوان بن تاج الدولة باستشهاد أبيه تاج الدولة ، وانفلال عسكره ، وهو نازل في عانة على الفرات في عسكره يريد الإتمام إلى بغداد ، ثم المصير إلى أبيه تاج الدولة ، حين استدعاه إلى الوصول إليه ، فاضطرب لذاك وقلق ، وخاف من وصول من يطلبه ، فحط مضاربه في الحال ، وقوضت خيام العسكر في الوقت ، ورحل مجدا في سيره في نفر من سرعان خيله وغلمانه ، وترك باقي عسكره من ورائه ، ولم يزل مغذا في قصده إلى أن دخل حلب ، وفتح الوزير أبو القاسم (٢) النائب في القلعة أبوابها ، وأصعده إليها ، وأخذوا الأهبة لمن يقصدها.
__________________
(١) في الأصل «وقتل» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.
(٢) في بغية الطلب لابن العديم ترجمة جيدة لرضوان بن تتش جاء فيها : «فوصل إلى حلب وتسلمها من وزير أبيه أبي القاسم بن بديع ، في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وتولى حسين زوج أمه تدبير ملكه». مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٣٨٧.