سنة خمس وسبعين وأربعمائة
فيها توجه السلطان تاج الدولة إلى ناحية الشام (١) من دمشق ، ومعه في خدمته الأمير وثاب بن محمود بن صالح ، ومنصور بن كامل ، وقصد ناحية الروم وأقام هناك مدة ، واتصل به خبر شرف الدولة مسلم بن قريش ، وما هو عليه من الجمع والاحتشاد والتأهب والاستعداد ، واجتماع العرب إليه من بني نمير وعقيل ، والأكراد والمولدة وبني شيبان للنزول على دمشق والمضايقة لها ، والطمع في تملكها ، فعاد تاج الدولة منكفئا إلى دمشق لما عرف هذا العزم (٢) ووصل إليها في أوائل المحرم سنة ست
__________________
وحين ملكته أحسنت إلى أهله ولم أكلفهم إلى ما يعجزون عنه ، وخلطت خنازيرهم بغنمي ، ونواقيسهم بأصوات المؤذنين عندي ، وصرنا مثل الأهل مختلطين ، فحين رأى أهل شيزر فعلي مع الروم أنسوا بي ، وصاروا يجيئوني من واحد وإثنين إلى أن حصل عندي نصفهم ، فأجريت عليهم الجرايات ، ومزجتهم بأهلي وحريمهم بحريمي وأولادهم مع أولادي ، وأي من قصد حصنهم أعنتهم عليه ، وحصرهم شرف الدولة مسلم بن قريش ، فأخذ منهم عشرين رجلا فقتلهم ، فدسست إليهم عشرين عوضهم ، ولما انصرف عنهم جاءوا وقالوا : نسلم إليك الحصن ، فقلت لا ما أريد لهذا الموضع خيرا منكم ، وجرت بينهم وبين واليهم نبوة ، فنفروا منه ، وجاءوا إليّ وقالوا : لابد من تسليم الحصن إليك فسلموه إلي ونزلوا عنه ، وحصلت فيه ، ومعي سبعمائة رجل من بني عمي ورجالي ، وحصلوا في الربض ، ولم يؤخذ لواحد منهم درهم فرد ، وأعطيتهم مالا له قدر ، وخلعت على مقدميهم وأعطيتهم واجباتهم لستة أشهر ، وقمت بأعيادهم ونواقيسهم وصلبانهم وخنازيرهم.
وسمع بذلك أهل برزية وعين تاب وحصون الروم فجاءتني رسلهم ورغب كلهم في التسليم إلي ، فبينا أنا على تلك الحال ، إذ شنت علي الغارات ، وجيشت نحوي الجيوش من ناحية مسلم ابن قريش غيظا منه ، لم تسلمت حصن شيزر ، بعد أن حلف لي قبل ذلك ، أنني إذا أخذت حصن شيزر ، أنه لا يقود إلي فرسا ، ولا يبعث جيشا ، وبالله أقسم لئن لم ينته عني لأعيدنه إلى الروم ، ولا أسلمه إليه ، ولا إلى غيره أبدا».
(١) استخلصت من كتابات هذه المدة أن عبارة «الشام» غالبا ما صارت تعني الجزء الشمالي من بلاد الشام ، علما بأنها كانت ترفق أحيانا بعبارة «الأعلى».
(٢) في مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٤٧٥ ه : «وفيها سار تتش إلى حلب ، فأخذ من غلاتها ما باعه بثمن بخس ، عجلة وسرعة ، وقيل إن ملك شاه كتب له بمال على ابن قريش فمطله ، فسار بنفسه ، وباع ما قدر عليه ، وأنفذ مسلم أصحابه لحفظ حلب ، فغاظ تتش وأقام بجسر الحديد ، وما يقارب حلب ، وأمر أرتق بك بشن الغارات على حلب ، .... ووردت كتب السلطان إلى أخيه بأن يرجع إلى دمشق ولا يقيم ببلد حلب ، وإلى أرتق بك بالعود إلى بابه ، ففارقه أرتق بك من جسر الحديد ، وسار تتش إلى دمشق ، وحل بها وضعفت نفسه لمفارقة أرتق بك ، وعبر مسلم في العرب والأكراد وراء تتش ، فنزل على فرسخين منها».