دمشق فطافها فاستغاث الناس وسألوا العفو والإبقاء ، فكف عنهم ورتب أصحابه المصالح (١) في المحال والمواضع ، وعاد إلى القصر في وقته فاستدعى الأشراف استدعاء حسن معه ظنهم فيه ، فلما حضروا أخرج رؤساء الأحداث فضرب رقابهم بين أيديهم ، وأمر بصلب كل واحد منهم في محلته ، حتى إذا فرغ من ذلك قبض عليهم وحملهم إلى مصر ، وأخذ أموالهم ونعمهم ، ووظف على أهل البلد خمسمائة ألف دينار.
وجاءه أمر الله تعالى الذي لا يدفع نازله ، ولا يرد واصله ، فهلك ، وكان سبب هلاكه ناسور خرج في سفله ، ولم يزل يستغيث من الألم ، ويتمنى الموت ويطلب أن يقتل نفسه فلا يتمكن ولا يمكن ، ويسأل في قتله فلا يقتل إلى أن هلك على هذه الحال (٢) ، وكانت مدة هذه الولاية والفتنة تسعة شهور ، وقيل إن عدة من قتل من الأحداث ثلاثة آلاف رجل.
وانتهى الخبر إلى مصر بهلاكه ، فقلد ولده محمد بن جيش مكانه (٣) ، وقد استقامت الأمور بمصر والشام ، واستمال برجوان المشارقة واستدعاهم من البلاد ، فاجتمع عنده منهم تقدير ثلاثة آلاف رجل ، وكان يواصل النظر في قصر الحاكم نهاره أجمع إلى أن ينتصف الليل ويجاوز الانتصاف ، ويوفي السياسة حقها ، وبين يديه أبي العلاء فهد بن إبراهيم من يمشي الأمور ويحسن تنفيذها.
وراسل برجوان بسيل ملك الروم على لسان أبي العلاء ، ودعاه إلى
__________________
(١) كذا في الأصل ولعلها مصحفة صوابها «المسالح».
(٢) روى المقريزي سببا آخر لوفاته فقال : وكان به طرف جذام ، فتزايد به حتى تمعط [سقط] شعره ورشح بدنه واسود ، ثم اتحتت سحنة وجهه ، وداد كله ، ونتن جميع جسده ، فصار يصيح : ويحكم اقتلوني ، أريحوني ، إلى أن هلك يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة ، وكان مقامه على دمشق ستة عشر يوما. انظر كتابي : مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ص : ٣٤٧.
(٣) الذي ذكره المقريزي هو أن جيش أوصى بتركته إلى الحاكم ، فحملها ابنه أبو عبد الله إلى قصر الخلافة ، فقام الحاكم بالاطلاع على الوصية ومنح ما تركه جيش لأولاده ـ المصدر أعلاه : ٣٤٧ ـ ٣٤٨.