السنة ، ورأيت في مكتبات العالم أكثر من نسخة مخطوطة من هذا الكتاب ، ووضح لدي أن السبط أعاد النظر في كتابة بعض أجزاء مصنفة أكثر من مرة ، لذلك تحتوي بعض النسخ الخطية على مواد أكثر سواها ، وامتلك الآن أكثر من نسخة مصورة من هذا الكتاب من جميع القطع التي نشرت منه ، وبودي تحقيق هذا الكتاب مع ذيله ـ إذا يسر الله ـ لأنهما من أهم الموسوعات التاريخية التي صنفت في بلاد الشام.
وأشرت من قبل إلى وطيد العلاقات التي قامت بين سبط ابن الجوزي وأبناء العادل الأيوبي ، لا سيما الملك الأشرف ، وأكثر الملك المعظم عيسى ، ولم ينغمس سبط ابن الجوزي في مسايرة رجالات السلطة الأيوبية ، ولم يتخل عن مبادئه ، وظل مخلصا لعقيدته ولإيمانه ، وكان أبناء العادل الأيوبي قد انشغلوا إلى أبعد الحدود في صراعاتهم الداخلية ، ولم يتورع بعضهم عن الاستعانة بقوى إسلامية خارجية مثل الخوارزمية ، بل انضوى بعضهم تحت راية الصليب وتحالف مع الفرنجة ، وضحى بمنجزات صلاح الدين ، واستدعى فردريك الثاني وتخلى له عن القدس ، وأفسد هذا العلاقات فيما بين سبط ابن الجوزي والملك الأشرف ، وانتقد السبط الأشرف مع أخيه السلطان الكامل ، وعدّ التخلي عن القدس خيانة ، وبعد موعظة شديدة النبرة ألقاها من على منبر جامع دمشق قال فيها : «انقطعت عن البيت المقدس وفود الزائرين ، يا وحشة المجاورين ، كم كان لهم في تلك الأماكن من ركعة ، وكم جرت لهم على تلك الأماكن من دمعة ، تا الله لو صارت عيونهم عيونا لما وفت ، ولو تقطعت قلوبهم أسفا لما شفت ، أحسن الله عزاء المؤمنين ، يا خجلة ملوك المسلمين ، لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات ، لمثلها تتقطع القلوب من الزفرات ، لمثلها تعظم الحسرات» ، وأفتى بعد هذه الموعظة بشرعية قتال الكامل والأشرف لعقدهما صفقة تسليم القدس للامبراطور الألماني فردريك الثاني بشكل شائن.