من فجر وفسق ، وتقطعون من بالعفاف تخلق ، تضعون الوصل في غير مواضعه ، وتوقعون الهجر في غير مواقعه ، وليست هذه طريقة السلف ، ولا هجيري الخلف ، وإنما هي بدعة حدثت وضلالة ليست عمّن قبلكم ورثت ، فهل تجدون في أساطير الغرام ، أو تروون عن أحاديث الهيام ، مثل هذه الحالة التي أنتم عليها ، والخصلة التي تخلقتم بها ، ور كنتم إليها ، فالذي أنهيه إليكم من الواجب المحتم عليكم أن تختاروا أحسنكم جمالا ، وأصرفكم (١) وأظرفكم دلالا ، فتولوه (٢١٤ ب) سلطانا ، وتكونوا له أعوانا ، إن أمركم امتثلتم ما أمر ، وإن زجركم جانبتم ما عنه زجر ، هذا والمردان مطرقون ، ولا هم ينطقون ، وإنما كان إدارة ألحاظهم تنوب مناب ألفاظهم ، فقال : إيه فما هذا السكوت والوقت ضاق ، وما هذا التواني عن عقد النطاق ، فتقدم أحدهم ، وهو يميس دلالا ، تقول أعطافه هكذا هكذا ، وإلا فلا لا! بقد يزري بغصون البان ، وجيد جيّد يفضح ريم الغزلان ، قد تقوّست حاجباه ، ورشقت من أهدابهما عيناه ، وتضرجت خداه ، واسودّت (٢) عيناه ، وشزرهم بألحاظه وأسكرهم بحميا ألفاظه ، فقال : أنا الأحق بالخلافة ، لما حويت من الرقة واللطافة ، وقوامي شاهد عدل ، ولحظي قاض بيده الفضل ، كم سبى جيدي من جآذر ، وكم تعد جفني من عضب باتر ، إن مست بأعطافي فمن يتجاسر على خلافي ، فلي الخلافة على التحقيق ، ولا بدع لأني ابن أبي بكر الصديق ، فمن جهل نسبي وفخري فأنا محمد بن علي البكري. ثم تلاه آخر بجبين وضاح ، ومبسم كالأقاح ، ومحيا كالبدر الأتم ، (٢١٥ أ) وجيد يخجل الريم الأرثم (٣) ، بقد يعبث بالرماح الردينية (٤) ، ولحاظ أمضى من الصوارم السريجية ، وقال : أنا ذو المحيا الزاهي الزاهر ، والجبين الأبلج الباهي الباهر ، والقد المياس ، والحكم على جميع الناس ، فرع الدوحة
__________________
(١) الصرف هنا : الفضل.
(٢) في ب (وأستودت).
(٣) الأرثم : الذي في طرف أنفه بياض.
(٤) الرماح المنسوبة إلى ردين ، وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح.